الأحد، 13 أكتوبر 2013

اكبر ملف صحفى عن سيناء للاعلامى طارق الكرداوى

سيناء فوق صفيح ساخن

اكبر ملف صحفى عن سيناء للاعلامى طارق الكرداوى 


اعد الملف -طارق الكرداوى
تعيش شمال سيناء أياما يمكن وصفها بـ''العصيبة'' جراء العمليات التي تجرى على أرضها لاستئصال ما تقول السلطات إنه ''الإرهاب'' من تلك البقعة العزيزة على قلب كل مصري.
أردنا أن نتعرف على الأوضاع هناك على الأرض خاصة في مدينة الشيخ زويد وقراها كالجورة والمهدية وتوما، التي توصف بأنها معقل لآلاف من ''التكفيريين''، ومدينة رفح الحدودية التي يعيش أهلها – مثلهم مثل أهالي الشيخ زويد - تحت وطأة حظر تجوال يبدأ من الرابعة عصرا، في حذر وترقب وخوف من إقامة منطقة عازلة على الحدود مع قطاع غزة.
أيضا جبل الحلال الذي قال لنا العديد من أهالي القرى المتاخمة له إنه يُستخدم كـ''فزاعة'' منذ أيام نظام مبارك. لم يكن بالجبل أحد حين ذهبنا وتجولنا لمدة أكثر من ثلاث ساعات بين جنباته، لا آثر هناك لحياة سوى على الأطراف حيث كسارات ''الزلط''.

الشيخ زويد.. ماذا يجري هناك


الطريق من الموقف الجديد في العريش بشمال سيناء إلى مدينة الشيخ زويد التابعة لنفس المحافظة يأخذ في العادة أقل من ساعة زمن إلا أنه هذه المرة أخذ أكثر من ساعتين. كان على السائق أن يسلك طرقا جانبية وسط مزارع الزيتون والنخيل لتفادي الأكمنة الأمنية والعسكرية، أشهرها كمين الريسة الذي شهد أكثر من 50 هجوما من قبل الجماعات المسلحة.
الأجرة ارتفعت للضعف (خمسة جنيهات للراكب الواحد) منذ بدء العمليات الأخيرة ضد ''الإرهابيين''، و''التكفيريين'' و''الجماعات المسلحة'' الأخرى، التي لازالت تقوم بمناوشات هنا أو هناك ضد قوات الجيش والشرطة، وإن خفت عن فترة ما بعد 30 يونيو مباشرة.
''الميدان مغلق''
عندما وصلنا إلى الشيخ زويد كان الميدان – المنطقة أمام قسم الشرطة – مغلقا تماما وكانت السيارات تمضي من شوارع خلفية لتصل إلى الموقف الذي انتقل إلى منطقة تبعد نحو كيلو متر واحد عن المكان القديم. أمكننا مشاهدة أثار التفجير الذي شهده الميدان قبل أكثر من شهر؛ حيث مازال بعض الحطام مكانه لم يرفع بعد، وأغلقت مقدمة الشوارع المطلة على الميدان، واعتلى الجنود أسطح المباني الحكومية بعد تحصينات من (أجولة الرمل) أقاموها لحماية أنفسهم من هجمات لا يعرفون من أي اتجاه ستأتي في المرة القادة.
في اليوم الذي كنا فيه هناك (الجمعة 27 سبتمبر) تمكن المسلحون من مهاجمة مبنى الضرائب القريب من ميدان الشيخ زويد وأردوا أحد الجنود قتيلا، كما تمكنوا أيضا من قتل أحد ضباط الشرطة برتبة ملازم كان لتوه قادما لاستلام مهام عمله مع نفر من زملاءه.
سائق التاكسي الذي أقلنا من حيث اقمنا إلى موقف العريش الجديد، صب جام غضبه على ''الإرهابيين'' و''التكفيريين'' الذين يتخذون أو كانوا يتخذون من قرى الشيخ زويد ورفح مرتعا لهم. يقول السائق، الذي تحدث دون أن يعرف هويتنا الصحفية، إن العريش ''هادية زي ما انتوا شايفين.. القلق كله في الشيخ وفي المهدية وفي الجورة ورفح''.
اتصالات للعودة
كانت الشيخ زويد معقلا لمن يسمون أنفسهم بـ''الجهاديين''، ويطلق عليهم الأمن والجيش وبعض الأهالي ''الإرهابيين أو التكفيريين أو الجماعات المسلحة''، إلا أن من لم يقع في قبضة الأمن أو أفلت من القتل، فر إلى الجبال في وسط سيناء تحت وطأة العمليات، كما قال أحد عواقل سيناء الذي طلب منا عدم ذكر اسمه. مصدر آخر في سيناء تحدثنا إليه عبر الهاتف ذكر أن أعدادهم تتراوح بين ألفين إلى خمسة آلاف.
يقول مصدرنا وهو من العالمين ببواطن الأمور في سيناء أن الأهالي في الشيخ زويد يستقبلون قوات الجيش بالفرح ويرشدونهم على بيوت المشتبه بهم، ويضيف أن القوات تحرق سيارات الدفع الرباعي ويتركوها مكانها.
وكشف المصدر أن بعض أبناء القبائل المنضمين إلى هذه الجماعات يجرون اتصالات مع كبار وعواقل قبائلهم يسألونهم العودة وحلق اللحى والعيش بصورة طبيعية، ويشير إلى أن الرد يكون يمكن تسوية أي أمر إذا لم يكن الشخص متورطا في دم، والقضاء هو الفيصل في النهاية.
يتحدث الأهالي بامتنان عن الجيش والشرطة، ولا ينكرون أن هناك بعض التجاوزات، التي تقع أثناء العمليات، إلا أنه يتغاضون عنها – كما أكد أكثر من شخص من الشيخ زويد – في سبيل تخليصهم من ''الإرهاب''. هم في ذلك يقولون إن قوات الجيش لم تعتاد على مطاردة المجرمين والإرهابيين، فهي مدربة على خوض حرب ضد عدو أمامها تعرفه، أما في هذه الأحوال فهم لا يعرفون أي عدو يواجهون ''فالجندي في الكمين لا يعرف من اي اتجاه ستأتيه الرصاص''، كما ذكر لنا المصدر.
جميع من قابلناهم من الأهالي أنكروا ما قيل عن أن قوات الجيش أحرقت المساجد، كما روج ويروج أنصار جماعة الإخوان المسلمين، وإن اقروا بأن القوات أضرمت النار في بعض منازل ''الإرهابيين'' في قرى الشيخ زويد كالمهدية، والقبض على بعض الأشخاص بالخطأ.
لا لسيارات الدفع الرباعي
ما لاحظناه أثناء تواجدنا في الشيخ زويد هذه المرة هو ندرة سيارات الدفع الرباعي، بل إننا لم نرى أيا منها. تلك السيارات التي اعتادت الجماعات المسلحة استخدامها في شن هجماتها على قوات الجيش والشرطة والمباني العسكرية والحكومية، لذا ما أن تقترب أي سيارة من كمين للجيش أو الشرطة تطلق عليها القوات النار خاصة في أوقات مابعد حظر التجوال. هذا ما أكده سائق السيارة التي أقلتنا إلى منزل الحاج حسن خلف في قرية الجورة حيث كنا على موعد للحديث معه عن ذكرياته عن حرب الاستنزاف وحرب اكتوبر.
كما أن السيارات الملاكي تكون هي الأخرى موضع شبهة، فابن الحاج حسن خلف (جعفر) وقع ضحية ركوبه سيارة ملاكي اقتربت من كمين للجيش، فأطلق الجنود النار باتجاهه فأصابته أربع رصاصات (ثلاث في ظهره وأخرى في كتفه) توفي على اثرها بعد نقله لمستشفى العريش العام ومنها إلى المستشفى العسكري.
يقول الحاج حسن خلف إنه نصح ابنه بألا يستقل سيارات ملاكي وأن يستعين بسيارات الأجرة، بعد تحذير الجيش بعدم الاقتراب للسيارات الملاكي من الأكمنة، '' لأن ''الإرهابيين'' يستخدمونها في مهاجمتهم''، ألا أن الابن لم يستمع لنصح الأب فكان ما كان. ويؤكد خلف أن إصابة ابنه ليست مقصودة مشيرا إلى اتصال رئيس الأركان الفريق صدقي صبحي به وعرضه نقل الابن لمستشفى المعادي العسكري.
أبو دراع
ربما كانت قضية الصحفي أحمد أبو دراع، مراسل صحيفة المصري اليوم وقناة أون تي في، أبرز القضايا في الفترة الأخيرة، فالقضية أثارت الوسط الصحفي والحقوقي، إلا أن بعض أهالي سيناء ومنهم ناشطون سياسيون، أكدوا لمصراوي أن أبو دراع كان على تواصل مع الجماعات المسلحة وأنه أمدهم بمعلومات عن تحرك القوات، كما أن بعض أولاد عمومته ممن يسمون انفسهم بـ''الجهاديين''.
مصادر في المصري اليوم أكدت لمصراوي أيضا هذا الكلام، وأشاروا إلى أن هذا السبب وراء عدم تصعيد الأمر من قبل إدارة الجريدة. ويحاكم أبو دراع في محكمة عسكرية بالإسماعيلية، وقد نظمت مؤتمرات ووقفات احتجاجية لدعم أبو دراع في قضيته.
وقد انتهت قضية أبو دراع بأن قضت محكمة عسكرية بسجنه ستة أشهر مع وقف التنفيذ، أفرج بعدها عن أبو دراع مباشرة، وذكر محامي نقابة الصحفيين أن تقرير المخابرات الحربية كان سببا في هذا الحكم.
وحتى الآن تعيش الشيخ زويد بسن تفجير هنا وإطلاق نار على جندي أو ضابط هناك، علاوة عن تهديدات تأتي لكبار مشايخ وعواقل القبائل المؤيدين لخارطة الطريق والقوات المسلحة فيما تخوضه من حرب ضد ''الإرهاب''.




بالصور - رفح.. مدينة الأنفاق في انتظار ''التُخوم العازلة'' 


















وصلنا إلى مدينة رفح الحدودية في الثانية والربع ظهرا، بعد نحو ثلاث ساعات في الطريق من العريش عاصمة محافظة شمال سيناء، التي تشهد تشديدا أمنيا كبيرا منذ الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي وإعلان خارطة الطريق في الثالث من يوليو الماضي.
الأوضاع كان هادئة بعض الشيء في رفح وإن كان الحذر سيد الموقف؛ حيث يرفض الأهالي الحديث خاصة للصحفيين والإعلاميين. يسألون دائما عن الجزيرة، التي قال لنا أحد المصادر أن القناة تحاول بشتى الطرق الوصول للمدينة وتصوير الأنفاق المدمرة، وتجريف المزارع المتاخمة للأكمنة الأمنية ومعسكر الأمن المركزي.
ساعدنا على المرور من الأكمنة الأمنية أن بطاقات هويتنا غير مدون بها أننا صحفيون. السؤال الذي يُسأل لأي سيارة أجرة ''كلكم مصريين؟''. يطّلع الضابط أو العسكري وجميعهم يرتدي سترات واقية من الرصاص، على بطاقات الهوية ورخص القيادة، وإذا لم يكن بالسيارة مشتبه به تترك تمضي لحال سبيلها.
كان كمين الريسة وكمين الخروبة الأشد في الإجراءات الأمنية. الأول يقع في نطاق منطقة سكنية، بينما الثاني يقع وسط مفترق طرق، وخلفه مزرعة زيتون كان أصحابها يقطعونها بناءً على طلب القوات المسلحة؛ حيث اعتاد المسلحون مهاجمة الكمين من خلالها. شاهدنا أصحاب المزرعة يقطعون الأشجار ويخلون المنطقة المحيطة للكمين. على الجانب الآخر من الكمين رأينا أشجار زيتون مقطعة كي تمنح مساحة رؤية لأفراد الكمين ليتمكنوا من صد الهجمات ومواجهة المهاجمين، حسبما قال مصدر أمني طلب عدم ذكر اسمه.
قال أحد الركاب وهو شاب يبدو أنه في بداية الثلاثينات من عمره، إن الجيش معه حق في ذلك، فـ''الإرهابيين'' يطلقون النار على الجنود من وهذه المزارع، مضيفا أنه يعتقد أن الجيش دفع أو سيدفع تعويضات لأصحاب المزارع أو البيوت التي تضررت.
لاتزال اثار الأحداث في 30 يونيو قائمة حتى الآن؛ فمكتب الجوازات محطما كما هو، فضلا عن مركز ثقافة رفح الذي بدا وكأنه ''خرابة''. وقال سائق التاكسي وهو من الشيخ زويد، الذي أقلنا من داخل المدينة حتى بداية الطريق الدولي لنستقل سيارة تنقلنا إلى العريش، إنه للمرة الأوى في حياته يرى جنودا مصريين باللبس ''المموه''، في إشارة إلى جنود الجيش الذين منعتهم اتفاق كامب ديفيد في ملحقه الأمني من الولوج للمنطقة (ج)، والتي اختصت فقط بعدد محدود من جنود الأمن المركزي.
الدكتور جلال الشريف، عضو الهيئة العليا لحزب الكرامة، وصاحب صيدلية الأصدقاء الواقعة في ميدان صلاح الدين برفح، رأى أن ما يحدث في سيناء لن يستمر طويلا، مؤكدا أن الجيش قادر على التعامل مع الأوضاع في رفح والشيخ زويد.
''تحالف ثلاثي''
يقول الشريف في حديث مع مصراوي، إن مايجري الآن نتيجة تحالف ''الإرهاب مع تجار المخدرات مع البلطجية''، مشيرا إلى أن عدد أبناء سيناء المنضمين للجماعات ''التكفيرية'' و''المسلحة'' قليل بالمقارنة بأعداد الوافدين من مصر وخارجها.
ويدلل الشريف على أن أبناء سيناء قلة في تلك الجماعات، بأن كبار ''الإرهابيين'' من وادي النيل مثل عادل حبارة – من محافظة الشرقية. وأُلقي القبض على حبارة ووجهت إليه اتهامات بالتورط في حادثة جنود رفح الأخيرة التي قتل فيها 26 جنديا.
ويؤكد الشريف أن أهالي رفح سعداء بتواجد القوات المسلحة ويساندون إجراءاتها، ''أول مرة نرى طائرات عسكرية مصرية في سماء رفح منذ سنة 1973''، إلا أنه يشير إلى غضب بعض الأهالي الذي تضرروا من هدم الأنفاق وتجريف بعض المزارع.
بالحديث عن أنفاق التهريب التي تتعدى الألف نفق دمر الجيش أكثر من 90 في المئة منها، حسبما قال أحد المصادر العسكرية، ذكر عماد الشريف، شقيق الدكتور جلال، أن هناك أنفاقا لازالت تعمل، تلك التي داخل البيوت السكنية، مضيفا أن الانفاق التي كانت تستخدم في نقل مواد البناء (زلط ورمل وأسمنت) أغلقت بالكامل.
وأشار عماد الشريف إلى أن غلق أنفاق تهريب مواد البناء التي كانت تسمح بمرور سيارات النقل أو تلك التي بها قضبان سكة حديد، أدى لتكدس مواد البناء زلط وأسمنت الذي رأيناه في التشوينات برفح.
''التُخوم العازلة''
شيء آخر يشغل بال أغلبية سكان رفح خاصة المنطقة الحدودية، هو ''المنطقة الآمنة'' كما تسميها القوات المسلحة والحكومة أو ''العازلة'' كما يسميها البعض، على الحدود مع قطاع غزة، خاصة مع كثرة الحديث عن أن أنفاق التهريب وراء العمليات التي تجري في سيناء.
تحدثت إلينا مصادر عسكرية وأمنية وعواقل قبائل سيناوية عن أن الجيش يرغب في مسافة نصف كيلو متر، تسمح للقوات بتأمين ومراقبة الحدود والتصدي لعمليات التهريب، ومنع دخول أو هروب الخارجين عن القانون.
يعارض الدكتور جلال إقامة تلك المنطقة، ويرى أن الحل هو في فتح معبر رفح أمام حركة مواد البناء كما كان يسمح بمرورها لـ''مدينة حمد'' التي تقميمها قطر في القطاع، على أن تكون الدولة رقيبا على ما يدخل من مصر وتحّصل ضرائبها التي تصل بالملايين، على حد قوله.
ويقول أحد النشطاء السياسيين في شمال سيناء، وهو بالمناسبة أحد شباب الثورة، إن حماس عملت بعد ثورة يناير وانفتاح الحدود على تصدير العناصر ''الجهادية'' التي تسبب لها قلقا في القطاع إلى سيناء، حيث ضيقت الخناق مثلا على جماعة ''جند الإسلام''.
ويضيف المصدر أن أغلب السلاح الموجود في سيناء يأتي من غزة، مشيرا إلى أن حماس من مصلحتها أن تتوطن هذه الجماعات في سيناء، حتى تتخلص مما تسببه لها من متاعب في القطاع، خاصة بعد الهدنة التي عقدتها الحركة مع إسرائيل في نهاية ٢٠١٢، برعاية الرئيس السابق محمد مرسي، والتي تضمنت بنودها ألا تطلق صواريخ من غزة باتجاه إسرائيل.
لكن المشكلة الحقيقية التي تواجه الجيش – حسب قول الدكتور جلال الشريف- هي أن أغلب الأنفاق بين القطاع ورفح موجودة في البيوت أو تمر من تحتها، مما يجعل من هدمها أمرا صعبا بغير تأثر تلك البيوت، لذا تجد هناك معارضة ليست بالهينة لإقامة تلك المنطقة ''الآمنة''.
يقول الدكتور جلال الشريف، هناك بيوت كثيرة بعضها من ثلاثة او أربعة طوابق، في المنطقة التي يريد الجيش إخلائها، وأصحاب هذه المنازل صعب إقناعهم بترك بيوتهم، مضيفا أن الجيش قادر على حماية الحدود دون إقامة هذه المنطقة.
تدخل في الحديث عماد الشريف وقال كثير من أصحاب هذه البيوت ضد المنطقة العازلة، حيث أن لديهم أنفاقا داخل بيوتهم.
(ذات مرة كنا في سيناء قبل نحو العام أخذنا عماد لأحد هذه البيوت خلال عهد مرسي وأرانا نفقا داخل فناء البيوت القريب حدا من موقف سيارات الأجرة عند في ميدان صلاح الدين، عبارة عن فتحة صغيرة قطرها حوالي مترين، وكان هناك شبابا يعملون في إنزال الأسمنت إلى النفق، لكنهم لم يسمحوا لنا بدخول النفق).
ويوضح الدكتور جلال أن المسافة بين الحدود وبداية العمار (المناطق السكنية) ٢٥٠ مترا، ويستطيع الجيش تأمين مثلها في دون المساس بالبيوت.
ويرى الشريف أنه إذا أصر الجيش على المنطقة العازلة فيجب أن تكون هناك تعويضات لأصحاب البيوت والمزارع التي تقع في نطاق المنطقة ''الآمنة''، مشددا على أن لا أحدا في سيناء ضد الحفاظ على الأمن القومي المصري.



مشاهدات سيناوية


(١)
وصلنا العريش بعد رحلة استمرت نحو ثماني ساعات. في الطريق كانت الأكمنة أكثر تشددا من ذي قبل، نزلنا من الاتوبيس وأخرجنا أمتعتنا ومرر أحد جنود الجيش الكلب البوليسي على الأمتعة بعد أن وضع كل منا حقائبه أمامه، وكان عبى الجانب الآخر بعض الجنود يفتشون حقائب بعض المسافرين الشباب الذين بدا عليهم الاستياء.
(٢)
حينما وصلنا كانت الاتصالات مقطوعة، قيل لنا إن ذلك أمر طبيعي في ضوء الحملات الأمنية التي تشنها قوات الشرطة والجيش ضد العناصر ''التكفيرية'' والمسلحة خاصة في قرى الشيخ زويد. كانت الاتصالات تقطع من الفجر حتى قرب المغرب بصفة شبه يومية.
(٣)
الأوضاع في العريش هادئة والحياة تسير بشكل طبيعي. الأمر الذي اختلف هو عدم وجود سيارات دفع رباعي على الطرق إلا نادرا جدا. عرفنا أن تلك السيارات مصدر خطورة على صاحبها، حيث اعتادت الجماعات ''التكفيرية'' استخدامها في مهاجمة رجال الأمن والمنشآت الشرطية والعسكرية والحكومية.
(٤)
أغلب من قابلناهم من الأهالي سواء في المواصلات لديهم حالة من السخط من مهاجمة الجماعات المسلحة لقوات الجيش والشرطة، ويقولون إن من يفعل ذلك ليس من أبناء سيناء بل إنهم أناس قادمون من الوادي. دلل أحدهم على ذلك بأن عادل حبارة المشتبه بتورطه في عملية قتل ٢٦ جنديا مؤخرا في رفح من الشرقية، وإن أشار بعضهم إلى تورط بعض السيناويين في تلك الأعمال.
(٥)
الشيخ زويد ورفح هما الأكثر تأثرا من تلك الأحداث، حيث حظر التجوال يبدأ من الرابعة عصرا، حتى السادسة صباح اليوم التالي، خلال تلك المدة صعب جدا أن تجد من ينقلك من وإلى المدينتين. ورغم طبيعية الأوضاع في العريش، إلا أن الحال مختلف في الشيخ زويد ورفح، مثلا المنطقة أمام قسم شرطة الشيخ زويد المعروفة ب''الميدان'' مغلقة تماما منذ تفجير السيارة المفخخة قبل نحو شهرين، كذلك الأكمنة منتشرة بكثافة حول وداخل القرى. وفي رفح كان الحذر والترقب هو المسيطر على وجوه جميع من رأيناهم، وكانت الطرق أمام معسكر للأمن المركزي هناك مغلقا، والحواجز الخرسانية منتشرة بكثافة.
(٦)
''كلكو مصريين؟''، أكثر الأسئلة التي تُطرح على ركاب سيارات الأجرة، فغيّر المصري يخضع لاستجواب داخل الكمين، ويحرص السائقون على عدم ركوب أي أجنبي حتى يتجنبوا ''رزالة الأكمنة'' خاصة أكمنة الريسة والخروبة والمزرعة القريب من مطار العريش.
(٧)
حالة من السخط رصدناها لدى البعض من ''تجريف مزارع الزيتون''، حول الأكمنة الأمنية ومعسكرات الأمن المركزي ومطار العريش، كذا هدم بعض منازل ''الإرهابيين'' والهجوم على منزل الناشط إبراهيم المنيعي، الذي خرج على قناة الجزيرة وطالب بحماية دولية، وإن تفهم بعضهم أن مزارع الزيتون المتاخمة للأكمنة والمواقع التابعة للجيش والشرطة تُستخدم في شن هجمات على القوات، وأن الجيش وعد بتعويض جميع المضارين.
(٨)
أصوات الانفجارات وطلقات الرصاص تسمع بين الحين والآخر، وكنا نصحو في أغلب الأيام على خبر مقتل ضابط هنا أو مجند هناك سواء من الجيش أو الشرطة. وكان هناك قيادة أمنية حاولنا عمل حوار معها إلا أنه في كل مرة نتواصل معه يكون في المستشفى مرافقا لأحد ضابطة أو جنوده الذي لقى مصرعه أو أصيب، او في موقع تفجير من التفجيرات التي لا يكاد يمر يوم دون وقوع واحد عند أحد الأكمنة أو المنشآت الشرطية والعسكرية، خاصة مبنى المخابرات الحربية في العريش.
(٩)
حكى لنا أحد من التقيناهم كيف أن الجماعات ''التكفيرية'' روجت بأن إسرائيل هي التي سمحت بتحليق طائرات الأباتشي في قرى الشيخ زويد كالمهدية والجورة، وأنها حظرت على الجيش تحليقها مرة أخرى. قال الرجل ''إن الجيش بعد أن علم بهذا الأمر بعث بثلاث طائرات أباتشي تحلق في سماء تلك القرى في اليوم التالي مباشرة، فعرف الأهالي كذب هذه الجماعات''.
(١٠)
جميع من التقيناهم أدانوا أعمال القتل والعنف والتفجيرات التي تستهدف قوات الجيش والشرطة، وإن مازال في حلق بعض الأهالي غصة من ممارسات وزارة الداخلية - أمن الدولة- خلال عهد مبارك، كما أن بعض من تحدثوا إلينا حذروا من ممارسات ''تهين'' البدو ولا تراعي تقاليدهم وأعرافهم؛ مثلا حكى لنا أحد شباب العريش عن موقف تعرضت له نساء بدويات عند أحد الأكمنة الأمنية تمثل في أن أحد الضباط كان يصر على أن تكشف المرأة البدوية عن وجهها عند مرورها بالكمين، الامر الذي أثار حفيظة الأهالي فخاطب عواقل القبائل القيادات الأمنية وحذرت من رد فعل البدو فما كان منهم إلا أن نقلوا هذا الضابط. ''نريد ضباطا يعرفون ويحترمون عاداتنا وتقاليدنا''، هكذا قال محدثنا، والأمل يحدوه في أن يتغير الحال للأفضل.



''أبو الهول'' يتحدث عن خريطة الجماعات الجهادية سيناء     حوار طارق الكرداوى





تتطور الأوضاع في سيناء بشكل سريع منذ أن بدأت القوات المسلحة عمليتها العسكرية هناك، وعلى الرغم من إحكام السيطرة الأمنية على المنطقة إلا أنه مازال هناك تحرك ما لبعض العناصر المسلحة داخل شبه جزيرة سيناء وكان اخرها محاولة تفجير مدرية أمن الطور بمحافظة جنوب سيناء.
ومن المؤكد ان خريطة الجماعات الجهادية في سيناء قد تغيرت منذ أن بدأت العملية العسكرية في أعقاب 30 يونيو الماضي، بحسب قول أشرف أبو الهول الكاتب الصحفي المتخصص في شئون الجماعات الجهادية في حواره مع ''صوت التحرير''.
خريطة الجهاديين في سيناء

في بداية حواره معنا، أوضح أشرف أبو الهول، الكاتب المتخصص في شئون الجماعات الجهادية، أنه قبل ثورة 25 يناير كان هناك وجود نشط جداً للجماعات والفصائل الفلسطينية داخل سيناء ومن ضمن هذه الجماعات جماعة ''جلجلت'' و ''جيش فصائل الإسلام'' و ''التوحيد والجهاد''، وهذه الفصائل تراجع دورها في سيناء كثيراً بعد إغلاق الأنفاق وإحكام الرقابة على قطاع غزة.

ومع تحجيم دور هذه الجماعات الفلسطينية ظهرت جماعات أخرى داخل منطقة شمال سيناء ومنها جماعة ''أنصار بيت المقدس'' و''جند الإسلام''، وهاتين الجماعتين تحديداً تقومان بجميع العمليات داخل سيناء ولهما نفس التركيب حيث يتكونان من عناصر أغلبهم مصريين ويتلقون التدريب والتمويل والسلاح من قطاع غزة.

وهذه الجماعات يعتقد أعضائها أن تحرير القدس يبدأ من تحرير القاهرة ودمشق من الأنظمة التي تحكمها وهو ما يحاولون فعله على الأرض الآن.
وأكد ''أبو الهول'' أن القوات المسلحة قامت باستهداف عدد من القواعد اللوجستية لهاتين الجماعتين والمتمثلة في مخازن السلاح وأماكن التدريب المتواجدة في قرى المهدية والتومة والمقاطعة، مما ادي إلى الحد من قوة هاتين الجماعتين على التحرك في سيناء. 

ولكنهم سيعملون في سيناء بطريقة أشبه بـ''حرب الاستنزاف'' اي أنهم سيقومون بإطلاق رصاصة هنا أو قنبلة هناك حتى تقوم أجهزة الآمن بتجميع أكبر قدر من المعلومات عنهم للقضاء عليهم وهذا أمر لن يطول كثيراً.

وماذا عن وجود تنظيم القاعدة في سيناء، أجاب ''أبو الهول'' على هذا التساؤل مؤكداً أنه لا يوجد ما يسمى بتنظيم القاعدة في مصر، فجميع هذه الجماعات لا تنتمي مباشرة لتنظيم القاعدة المعروف عالمياً ولكنها تنتهج نفس منهجه الفكري.

وأضاف أن ''القاعدة'' اسم كبير وخرجت من رحمه تنظيمات إرهابية كثيرة انتشرت حول العالم ولكن ليس بالضرورة أن تكون هذه الجماعات الصغيرة في مصر على صلة مباشرة بالتنظيم الأم، وإذا كانت هذه الجماعات الصغيرة في مصر على اتصال بتنظيم القاعدة لبات القضاء عليها أسهل من خلال تتبعهم وتفكيكهم.
مقتل جنود رفح

كشف المتخصص في شئون الجماعات الجهادية أن عملية مقتل الجنود الـ16 في رفح عام 2012 تمت على يد عناصر جهادية من قطاع غزة، وهذه العناصر دخلت إلى مصر بهدف خطف مدرعتين للجيش المصري واستخدامهم في الهجوم على القوات الإسرائيلية المتواجدة عند منفذ ''كرم أبي سالم'' وخطف عدد منهم لمبادلتهم بآسرى فلسطينيين، ولم تكن تنوي قتل الجنود ولكنها فوجئت بأنهم يتناولون طعام الإفطار بجوار المدرعات فكان لابد لها من قتلهم لكي تحصل على المدرعات وتنفذ العملية.

''ويشير أبو الهول أن منفذ كرم أبى سالم وهو منفذ حدودي ثلاثي بين مصر وقطاع غزة وإسرائيل وهو نفسه المنفذ الذي تم اختطاف الجندي الإسرائيلي جلعاد شاليط من أمامه وقامت حركة حماس بتنفيذ العديد من عملياتها ضد القوات الإسرائيلية بالقرب منه لانه الأقرب لقطاع غزة ويبعد 3 كيلو متر من رفح باتجاه مصر.

ووفقاً لقول ''أبو الهول'' لا أحد يستطيع الجزم بأن ما حدث في ذلك الوقت خططت له الجماعات الجهادية في غزة مع الإخوان في مصر لإقالة وزير الدفاع المشير حسين طنطاوي والفريق سامي عنان، ولكن المؤكد أن إسرائيل علمت بتنفيذ عملية ما في سيناء من خلال عملائها داخل الجماعات الجهادية في قطاع غزة، وأبلغت المخابرات العامة بهذا الأمر، ورفعت المخابرات تقريرها للرئاسة ولكنها لم تتحرك.

وشدد على أنه لا أحد يستطيع ان ينكر أن الإخوان استغلت هذه الحادثة للإطاحة بوزير الدفاع السابق ورئيس أركانه، مشيراً إلى أن اللواء مراد موافى –مدير المخابرات العامة آنذاك- عندما أعلن أنه أبلغ الرئاسة بأن هناك عملية ما ستتم في سيناء تمت إقالته.

أما عملية اختطاف الجنود الـ7 التي تمت منذ عدة أشهر، فقال عنها ''أبو الهول'' أنها عملية ثآرية وعشائرية، حيث كانت تريد عائلة ''أبو شيتة'' أن تضغط على الدولة لكي تخلي سبيل حمادة أبو شيتة –المحكوم عليه بالإعدام في قضية الهجوم على قسم ثاني العريش- فقالت بخطف الجنود لمبادلتهم به.

واعتبر أشرف أبو الهول أن وجود الإخوان على رأس الحكم في مصر كان سبباً في انتشار الجماعات الجهادية في سيناء على هذا النحو، فهم شعروا أن هذا النظام سيشجعهم وسيدعمهم وهذا الإحساس زاد لديهم بعد الإفراج عن المعتقلين الجهاديين في السجون المصرية مما شجعهم على الحركة بشكل أكبر وزاد من خطورتهم، خاصة بعد تدخل الرئيس السابق شخصياً لوقف العملية العسكرية في سيناء عقب مقتل الجنود الـ16 بدعوى انه لا يريد استعداء أهل سيناء.
العملية العسكرية

يرى ''أبو الهول'' ان العملية العسكرية في سيناء كبيرة جداً والأمن دخل فيها بكل قوته مع القوات المسلحة، وقد بدأ أهالي سيناء الذين تعاونوا بشكل جيد جداً مع القوات المسلحة يشعرون بأن هناك تطور نوعي قد حدث في منظومة الأمن بسيناء خاصة في مناطق الشيخ زويد والعريش ورفح.

فمنذ بضعة أشهر كانت العناصر الجهادية تسير في الشوارع بسيارات الدفع الرباعي المثبت عليها مدافع ''الجرينوف'' وأعلام القاعدة في مسيرات لاستعراض القوى، ولكن هذه العناصر باتت مقيدة الحركة في سيناء الآن.

وكشف أشرف أبو الهول أن هذه الجماعات كانت تخطط بعد 30 يونيو في حال سقط نظام الإخوان بالتحرك في وقت واحد وإعلان سيناء إمارة إسلامية ولكن ضربات الجيش الاستباقية وانتشاره بشكل مسبق هناك احبطت هذا المخطط، مضيفاً أن الجيش انتشر أولاً ثم قام بجمع المعلومات وتأكد منها ثم أصاب الأهداف التي شعر بأنها تشكل خطر على أمن البلاد.

وأكد أن الجيش أحكم سيطرته على الأوضاع في سيناء وجفف منابع تمويل الجماعات الجهادية بإغلاق الأنفاق، وهناك تعاون كبير من أهالي قبائل سيناء مع قوات الأمن والقوات المسلحة على الرغم من الأضرار التي لحقت بهم جراء العملية العسكرية في سيناء.

ولفت إلى أن محافظة مرسى مطروح كانت معرضة لنفس المصير لولا أن الجيش استطاع تدارك الأمر هناك وقام بالسيطرة على الأوضاع سريعاً.
الحل التنويري

ويرى المتخصص في شئون الجماعات الجهادية أن التخلص من العناصر الجهادية والتكفيرية في سيناء يتطلب جهداً كبيراً والأمر ليس متعلق بالتنمية وحدها، وقال ''التنمية جزء من الحل وليس كل الحل''.

وشدد على أهمية الحل ''التنويري'' في حل الأزمة في سيناء وغيرها من المناطق المعرضة لتنامي ظاهرة التطرف الديني، وعلى الدولة أن تهتم بالتعليم في سيناء وإرسال بعثات تثقيفية وتوعوية بصحيح الدين وهو دور الدولة ومؤسسة الأزهر في المقام الأول.

كما يتعين على الوزارات المعنية إنشاء ملاعب لتدريب الشباب هناك على الرياضات المختلفة لتوظيف الطاقة المهدرة لديهم، مؤكداً انه لديه معلومات مؤكدة أن الجيش يجهز لمجموعة من المشروعات التنموية التي سيعلن عنها في سيناء قريباً.



ليست هناك تعليقات: