الخميس، 25 أغسطس 2011

زوار المصايف الرمضانية فى مطروح .. أغلبية مسيحية فى شواطئ خالية



كتب:طارق الكرداوى
يقرر ستة شباب من المنوفية أن يقضوا إجازتهم الصيفية فى مطروح، مستغلين الهدوء الذى تمتاز به المدينة فى رمضان، حيث ينشغل جل الشعب المصرى فى الطقوس الدينية الرمضانية. ويختار الشباب بيتا تابعا لكنيسة الشهيدين مار مرقس ومار جرجس والقديس نيقولاوس بالمدينة ليحجزوا فيه ويقضوا صيفهم فى المدينة من خلاله. الشباب الستة ذووا العمر الواحد والمتفاوتون فى حظوظهم من العمل أو عدمه والدراسة، يفضلون مطروح فى رمضان لطبيعة المدينة الأهدأ فى هذه الفترة كما يقول ماركو: «الأسعار أرخص فى فترة رمضان بسبب عدم وجود ضغط من المصيفين». هذا يتضح من خلال (بيت الكرمة) نفسه وهو اسم البيت التابع للكنيسة، حيث يصل الحد الأدنى للغرفة فى الليلة إلى خمسين جنيها.

فى السنوات القليلة الماضية تزامن مجىء رمضان مع فصل الصيف، وهو ما جعل مرسى مطروح محط اهتمام لشريحة من المسيحيين اختارت أن تخطط زيارتها فى رحلات فردية وأسرية ورحلات تنظمها الكنائس من مختلف محافظات مصر كما كان يحدث فى الأعوام الماضية. إذ يلجأ بعضهم إلى السكن فى بيوت تابعة للكنيسة بمطروح، أو بيوت كاملة (عمارات) يملكها مسيحيون بالمدينة، أو فى الفنادق التقليدية حيث ينصب اهتمامهم على فنادق مثل هانى مون والبوسيت، ولكن رواد الفنادق عموما يكونون أكثر قدرة مادية. ونظرا لوجود أكثر من كنيسة بالمدينة فإن ذلك يعطى اطمئنانا نفسيا وروحيا للمسيحيين أثناء اصطيافهم، حيث تمتلئ كنيسة الشهيدين أثناء قداس الأحد، إلى جانب كنيسة العذراء الموجودة بنفس الشارع والتى تقيم قداسا مبكرا أيضا، وتشاركهما فى ذلك أيضا كنيسة أخرى بعيدة عنهما وهى كنيسة الملاك ميخائيل. بالإضافة إلى حضورهم نهضة العذراء وهى الصلاة الليلية التى تتم طوال صوم العذراء الذى صادف أيضا وجاء أثناء رمضان لهذا العام. لكن ازدهار الموسم الذى كان يصنعه المسيحيون تراجع كثيرا هذا العام، حيث خفت كثافتهم بالمقارنة بالأعوام السابقة، وهى الشكوى التى يبثها كل من يعمل بالمدينة. الأب الراهب بيجيمى المشرف على بيت الكرمة التابع للكنيسة بمرسى مطروح يقول: «هناك أسباب متعددة أدت لتراجع وجود المسيحيين فى هذا العام، منها تخوف بعض الأسقفيات مثل أسقفية الجيزة من إرسال رحلات طويلة بسبب المشكلات الأمنية المفترضة، إلى جانب ظهور شائعات من وجود ليبيين يروعون الموجودين». ثم يضيف: «يمكنك أن تسير فى شوارع المدينة لتتأكد بسهولة أنه لا توجد مشكلات من أى نوع».

يتأكد كلام الأب بيجيمى عندما تتجول فى شوارع المدينة الهادئة تماما لساعات طويلة من الصباح، ولا يكدرها زحام محدود من المصطافين وأهل البلد يتحركون فى الشوارع ليلا. وأدى ضعف الإقبال على بيت الكرمة بالمقارنة بالسنوات الماضية إلى تقليل نسبة الإشغال إلى 50%، يقول الأب بيجيمى: «البيت يخضع لقانون العرض والطلب مثله مثل أى مكان عادى». ولكن البيت رغم تبعيته للكنيسة يقبل رواد مسلمين، يقول الأب بيجيمى: «ليست لدينا مشكلة من هذا الجانب، وكثيرا ما يكون المسلمون متفهمين لطبيعة المكان ويحترمونه بشكل أكثر». لا يضع الأب بيجيمى اختبارات أو شروطا لقبول أحد من الإقامة فى البيت، ولكنه يقول إن هناك قيودا تتمثل فى تشغيل قنوات بعينها للدش فى البيت، هذا غير منع الخمور والمخدرات. يقول: «من يريد أن يفعل شيئا خاطئا يعرف أن هذا ليس مكانه».


بيوت خاصة

مكرم نصيف الذى يعمل بالهيئة العربية للتصنيع اختار بيتا خاصا ليؤجر فيه شقة يقضى فيها إجازة الصيف هو وأسرته، يقول إن اختيار رمضان راجع لكون إجازته صادفت أيام الشهر الكريم، ولكنه يضيف: «رمضان يكون رائقا جدا فى مطروح هنا»، ولكن اختياره لبيت يشرف عليه سامى مرقس الذى أوقف بيته للمصيفين الآتين إلى مطروح سببه رغبته كما يقول فى أخذ راحته مع عائلته، يقول: «نتحرك بملابس الصيف ولا نريد أن نمثل استفزازا لأحد». ولكن على نفس النغمة يشكو سامى مرقس من قلة الإقبال على شققه هذا العالم فى مقابل الأعوام السابقة، يقول: «فى الأعوام الماضية كنا نسلم مفاتيح الشقق كلها من أجل فوج لكنيسة، أما اليوم فلا أؤجر سوى شقة واحدة». سامى الذى كان يعمل مقاولا وتفرغ حاليا لإدارة بيته يقول: «اعتمادى كله على مصاريف عائلتى معتمد على البيت، والبيت لم يأت بعائد هذا العام وهذا يسبب لى أزمة». يعيد سامى مرقس التخوفات من الانفلات الأمنى الذى قيل عنه بعد الثورة، غير الشائعات غير الحقيقية التى تتردد فى مطروح. يقول: «المسيحيون يميلون للخوف، خافوا على بناتهن بعدما ترددت شائعات عن وجود مظاهرات للسلفيين رغم أننا اكتشفنا أن هذه المظاهرات ليست موجهة ضدهم. هذا غير أنهم يخافون من أن يتركوا شققهم فى محافظاتهم المختلفة للتصييف هنا». ورغم شيوع صيت بيت سامى مرقس فى الأوساط المسيحية فى القاهرة وغيرها، حيث يسكن هنا مصطافون من كل أنحاء مصر، إلا أنه لا يوقف بيته على المسيحيين فقط. يقول: «البيت مفتوح عندى للمسيحيين والمسلمين، لا أضيق على أحد وليست لدى شروط سوى أن يدفع المستأجر ما عليه». ويضيف ضاحكا: «بالعكس، المسلمون يكونون مريحين بشكل أكثر، فالمسيحيون يعتمدون كثيرا على العشم من أجل تخفيض الأجرة».

على الشواطئ تجد مسيحيين وإن كانوا قلائل يستمتعون بالجو والشمس والبحر متحدين المخاوف من كل نوع. هانى إبراهيم الذى يعمل بمجال المفروشات، الذى يقضى الوقت مع زوجته وابنته على شاطئ الهنا يقول: «من الطبيعى أن تتخوف الكنيسة على أبنائها وتتحفظ على إرسال رحلات فى هذه الفترة، ولكننى أعتقد أن الأذى لن يحدث لى سوى بأمر الله، فلست متخوفا من شىء». شاطئ روميل تبدو الأمور فيه أكثر رواجا، العدد أكثر نسبيا من الشواطئ الأخرى. وتخرج بعض الرحلات بشكل منظم مثل أن يشرف عليها قائد مثل سمير عازر الذى يشرف على رحلة عائلة كبيرة (أكثر من أسرة) إلى مرسى مطروح، من الإسكندرية يقول هانى إبراهيم: «نحن نعتمد على الله، الوضع الأمنى مضطرب بالطبع بعد الثورة، ولكن الرحلة تمت بشكل آمن». سمير وعائلته لن يقضوا سوى يوم واحد فى مطروح يقضون صباحه على الشاطئ وليله فى التسوق، هاربين على حد قوله من الوضع المزرى الحالى لشواطئ الإسكندرية.


مدينة تبحث عن موسم سياحى

يصر عدد كبير من العاملين بمرسى مطروح وأهلها على أنها مدينة الثلاثة أشهر، والمقصود هنا أشهر الصيف الثلاثة الذى يتكثف العمل فيها بالمدينة، يتكسب فيها العمال قوتهم التى ربما يتعيشون عليه بقية العام. ولكن وضع الصيف هذا العام الذى تلمسه من الشواطئ محدودة الامتلاء قضى على آمال العديد من العاملين سواء من ساكنى المنطقة أو من خارجها فى قضاء صيف مثمر. فرج عبدالقادر الشاب المطروحى والذى يحمل رخصة بالعمل فى شاطئ روميل، هذا العمل الذى يتلخص فى تقديم الكراسى للمصيفين وتقديم الخدمات لهم يقول: «البطالة عالية جدا فى مرسى مطروح، الاعتماد بشكل أساسى يكون على السياحة فى فصل الصيف فحسب، والآن انتكس فصل الصيف ولا يعرف أحد ماذا يفعل».

يقول أمير ثابت مسئول الحجز فى فندق هانى مون إن إشغال فندقه فى رمضان هذا العام لا يتجاوز 35%، هذا الذى أدى لتخفيض فندقه من سعر الليلة، ويعيد أيضا سبب ركود هذا الموسم بالمقارنة بالمواسم السابقة للشائعات التى تروج عن المدينة، هذا غير توازى صوم رمضان مع صوم العذراء، ولكن يعود ويؤكد أن إهمال المسئولين بالمدينة مؤخرا جعل البلد غير جاذب للسياح. ذلك الأثر السلبى الذى تركه هذا الصيف لم يتوقف فقط عند حالة الشواطئ ورواج أنشطتها بل امتد حتى للفنادق ذات الاسم المعروف هناك، روجيه مطران مدير العلاقات العامة بفندق البوسيت يقول: «لا يمكن إنكار أن هناك حالة ركود هذا العام، هناك تخوفات وقلق من الناس من جهتى الأمن والطرق، ولكن كل من يتجاوز ذلك ويحضر إلى هنا لا يجد مبررا لهذا القلق».

الخوف من مظاهرات السلفيين التى أشيع أنها كانت ضد ملابس النساء فى الصيف، أو الخوف من الليبيين، أو الخوف من الانفلات الأمنى كلها أسباب لتراجع السياحة فى مطروح هذا العام، ويكمل فرج عبدالقادر أحد العاملين بشاطئ روميل: «فى رمضان الماضى كان الشهر أشبه بموسم صيفى عادى بسبب كثافة وجود المسيحيين، هذا غير المتحقق حاليا». ولكن المخاوف ليست هى الأسباب الوحيدة من وجهة نظر فرج، فيضيف: «هناك عدم اهتمام حاليا من المسئولين عن المدينة، لا يوجد منقذين فى الشواطئ ولا عمال نظيفة، هناك إهمال فى الشوارع وهناك زبالة». محمد على أحد عمال الشواطئ يضيف أيضا سببا آخر مشكلة وهى أخذ رسوم عن الفرد على بوابة الشاطئ هذا الذى ينفر الزوار، أما مشكلة الليبيين التى شاعت فيلخصها فى أن «بعضهم جاء من ليبيا فى إبريل الماضى وبدأ يمارس تصرفات مكروهة كشرب الخمر فى الشوارع ومعاكسة الفتيات والاعتداء عليهن، ولكن تمت مقاطعتهم حاليا ولا يوجد منهم سوى من لهم أهل فى مطروح». ولكنهما يتفقان على ضرورة وضع حلول بديلة لأبناء مطروح من جهة وضرورة استصلاح الأراضى وتشغيل أبناء المحافظة فى شركات البترول، لتعويضهم عن أى سقطة لفصل الصيف كما حدث هذا العام. أما الإحصائيات التى تقدمها إدارة السياحة بالمحافظة فتشير إلى حد ما إلى تراجع الإقبال هذا العام حيث لا يزيد عدد السياح المتوجهين للمحافظة ككل على 214 ألف زائر فى الأسبوع الأول من رمضان، ويقل هذا العدد إلى حوالى 171 ألف زائر فى الأسبوع الثانى. ولكن العميد محمد البشرى مدير إدارة السياحة بالمحافظة يرى أن الوضع أفضل من المتوقع وفقا للظروف الحالية، خاصة أن هناك حالة رواج حدثت فى الأسبوعين السابقين من رمضان، ويأمل مثله مثل العديد من أهل وعمال المدينة فى أن تستعيد مدينتهم هذا الرواج فى العيد وشهر سبتمبر.


ملامح خاصة

تبدو مدينة مرسى مطروح صغيرة، يمكنك التحرك داخلها وخلال شواطئها بسهولة إلا أن هذا الإحساس أقرب للكذب، فمحافظة مطروح تعتبر ثانى أكبر محافظة بمصر، بعد محافظة الوادى الجديد، ولا تمثل مدينة مطروح سوى هامش صغير من مساحتها التى تمتد إلى 212 ألف كم2 حيث تطل على ساحل البحر الأبيض المتوسط.

فرج عبدالقادر أحد أهل البلد والذى يعمل بشاطئ روميل يقول إن هناك مساحة كبيرة مطلة على البحر غير مستغلة بمطروح وأن طبيعة البلد ستتغير لو استغلت هذه المساحة وتحولت إلى شواطئ. إلى جانب مدينة مرسى مطروح الرئيسية التى هى محط أنظار عدد كبير من المصيفين فى مصر والتى تضم الشطآن الرئيسية أهمها شاطئ عجيبة، والأماكن الأثرية كحمام كليوباترا، هناك سبعة مراكز أخرى تضمها المحافظة، منها مركز العلمين، المدينة التى اشتهرت تاريخيا بسبب المعركة التى دارت بين قوات الحلفاء (البريطانيون تحديدا) وقوات المحور (الألمان والإيطاليون) فى الحرب العالمية الثانية عام 1942، وانتصرت فيها قوات الحلفاء لتقضى على أمل قوات المحور فى السيطرة على مصر وعلى قناة السويس، الحرب خلفت فى المدينة العديد من المقابر التى تخص الألمان والإيطاليين والقوات التى حاربت مع الجانب البريطانى والتى تضم جنسيات يونانية وأسترالية وهندية، وإلى جانب المقابر فهناك متحف العلمين الحربى الذى افتتح عام 1965 ويضم أسلحة وأزياء عسكرية من مخلفات المعركة. ومن مراكز المحافظة مركز السلوم الذى يقع على الحدود الليبية. ومنها أيضا مركز سيوة وهى الواحة التى تبعد حوالى 136 كيلو عن مرسى مطروح، وإن كانت تتوفر ميكروباصات بالمدينة إليها، وأشهر معالم الواحة معبد آمون الذى نال شهرته من زيارة الإسكندر الأكبر له. ويعيد عدد من أهالى المدينة تلك الطفرة التى حدثت فى مدينة مرسى مطروح إلى الفريق محمد عبدالحميد الشحات الذى كان محافظا من عام 2001 إلى 2008. بالإضافة إلى ذلك فهناك صفحتان على الفيس بوك تطالبان بعودة الشحات محافظا، وأرجعتا تراجع الخدمات بالمحافظة بعد تركه للخدمة.

ليست هناك تعليقات: