السبت، 14 مايو 2011

مصر الثورة وصفعة قوية لإسرائيل في ذكرى النكبة




كتب:طارق الكرداوى
يبدو أن احتفالات إسرائيل في 15 مايو من كل عام بذكرى "نكبة" الفلسطينيين والعرب لن تدوم طويلا ، بل إن هذا المصطلح قد يطلق عليها أيضا وفي وقت أسرع من المتوقع في حال واصلت تعنتها وجرائمها في الضفة الغربية وغزة والقدس الشرقية .

صحيح أن ميزان القوة العسكرية بين العرب وإسرائيل مازال في صالح الأخيرة ، إلا أن تجارب التاريخ أكدت أن إرادة الشعوب تتفوق دائما على أعتى الأنظمة الاستعمارية والديكتاتورية في العالم وهذا ما يعول عليه كثيرون في العالم العربي خاصة بعد نجاح ثورتي تونس ومصر لنصرة الشعب الفلسطيني الأعزل ومساعدته في استعادة حقوقه المغتصبة .

ولعل ما يضاعف من التفاؤل في هذا الصدد أن إحياء ذكرى النكبة الـ 63 جاء بعد عدة تطورات سارة فيما يتعلق بالقضية الفسلطينية في عام 2011 كان على رأسها توقيع اتفاق المصالحة بين فتح وحماس مؤخرا بالقاهرة واعتراف العديد من دول أمريكا اللاتينية بالدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 ، بالإضافة للأمر الأهم وهو عودة الاهتمام العربي بما حدث في عام 1948 .

سياسة تعدد النكبات

فمعروف أنه منذ إعلان قيام إسرائيل في 15 مايو / أيار 1948 وما ترتب على ذلك من تشريد وقتل الآلاف من الفلسطينيين فيما عرف بـ "النكبة" ، عمدت تل أبيب إلى إضعاف الاهتمام العربي بتلك الذكرى الأليمة بعد أن كانت الجماهير العربية قبل هزيمة 5 يونيو 1967 تستقبل ذكرى النكبة بتأثر عميق وحماس ظاهر واحتجاج صريح وبصوت شعبي عال وكان ذلك يفرض على الأنظمة العربية أن تولي ذكرى النكبة قدرا من الاهتمام على المنابر الخطابية والإعلامية لتشعر الجماهير بأنها "لم تنس قضية العرب الكبرى" و "لم تغض النظر" عنها .

إلا أنه منذ نكسة 1967 ازداد الواقع العربي ضعفا وترديا وانقساما أمام الهجمات المتتالية والتحديات الخطيرة التي ألقت على ملف النكبة التي حلت بالشعب الفلسطينى ملفات جديدة حجبته عن رؤية العين والذاكرة.

فالفترة ما بين النكبة وحتى منتصف الستينات كانت الأمة العربية تستقبل ذكرى نكبة واحدة هي نكبة مايو عام 1948 وأصبحت الأمة العربية في عام 1968 تستقبل ذكرى نكبة ثانية هي نكسة 5 يونيو 1967 واحتلال ما تبقى من فلسطين وما لبثت هذه النكبة المستجدة أن استقطبت الأضواء وصارت وكأنها القضية كلها.

وفي مطلع الثمانينات اضطر العـرب إلى تركيز جل اهتمامهم على نكبة ثالثة هي الاجتياح الإسرائيلي للبنان وفي ضوء هذا التركيز صارت ذكرى النكبة وذكرى النكسة تمران كطيفين باهتين وحدثين قديمين عابرين رغم أن الاجتياح الاسرائيلى للبنان في يونيو عام 1982 كان امتدادا ليونيو عام 1967 وهذا بدوره امتداد لاحتلال الجزء الأكبر من فلسطين في مايو عام 1948.

وبصفة عامة ، فإن إسرائيل ومنذ النكبة عمدت دائما إلى خلق ملفات جديدة وأمر واقع آخر يصرف النظر عما قبله وهو ما عبر عنه موشيه دايان وزير الحرب الإسرائيلي الأسبق عندما قال في مقابلة أجرتها معه مجلة "دير شبيجل" الألمانية في أكتوبر عام 1971 :" في نوفمبر عام 1947 رفض العرب قرار التقسيم الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة وفي عام 1949 بعد التوقيع على اتفاقيات الهدنة عادوا إلى المطالبة بتنفيذه وفي عام 1955 كانت جميع الدول العربية المعنية ترفض اتفاقيات الهدنة وبعد حرب الأيام الستة في يونيو عام 1967 عادوا إلى المطالبة بانسحاب إسرائيل إلى حدود الرابع من يونيو ، ولن أفاجأ - والكلام لدايان - بعد حرب أخرى تسيطر فيها إسرائيل على مناطق عربية جديدة في الأردن أو سوريا، إذا ما طالبوا بالعودة إلى الحدود الحالية وكان هذا في الواقع أحد الدوافع الرئيسة لغزو لبنان في يونيو عام 1982".

والأخطر مما سبق ، أن المؤامرة الإسرائيلية المحبوكة لتجريد الشعوب العربية من ذاكرتها ووعـيها أخذت في السنوات الأخيرة أبعادا جديدة ، فمخططات إسرائيل لم تقف عند التوسع وتصفية القضايا العربية بل بات هناك ثمة أهداف أخرى لاتقل خطورة وهى محاولة دق أسافين الخلاف بين العرب والفلسطينيين وتمزيق وحدة الشعب الفلسطيني وضرب فلسطينيي الداخل بفلسطينيي الخارج وضرب حركة حماس بالسلطة الفلسطينية .

وهذا ما انسجم مع المساعي الأمريكية الهادفة منذ احتلال العراق إلى تجزئة القضية القومية الواحدة وتفـتيتها إلى أجزاء إقليمية متناثرة وملفات عديدة " الملف الفلسطيني، الملف اللبناني، الملف السـوري" ، بالإضافة إلى مخطط الفوضى الهدامة والشرق الأوسط الجديد الذي لاتعلو فيه كلمة فوق تقسيم الدول العربية إلى كيانات هشة وممزقة ، فتح وحماس في فلسطين ، سنة وشيعة في العراق ، مسلمين ومسيحيين في السودان .

وأمام ما سبق ، حذر كثيرون من أن انفراد الشعب الفلسطيني بإحياء ذكرى النكبة التي ألمت به هو أمر بالغ الخطورة وأبسط ما يتضمنه من المعاني الخطيرة هو نجاح إسرائيل وأمريكا في تجزئة القضية القومية الواحدة ، فمؤامرة طمس ذكرى النكبة الفلسطينية في الذاكرة العربية تعني أولاً وقبل كل شيء تغييب الوعي العربي بهدف تمرير المخططات الصهيونية الأمريكية لتفتيت العالم العربي والسيطرة على موارده الطبيعية ، وبالتالى يذهب ما تبقى من وعي العرب بأن قضية فلسطين ليست قضية الشعب الفلسطيني وحده بل هي قضية المصير العربي كله ، فاحتلال فلسطين بكاملها وإقامة الكيان الصيهوني لم ينتج عنه تشريد الشعب الفلسطيني فقط بل نتج عنه إلى جانب ذلك زرع شوكة مسمومة ذات طبيعة سرطانية في جسم الأمة العربية هى إسرائيل .

تسونامي الثورات الشعبية




وقبل أن تنجح إسرائيل في عمليات "غسيل الدماغ الجماعي" التي حاولت نشرها في العالم العربي بأساليب متنوعة خلال السنوات الماضية ، ظهر تسونامي الثورات الشعبية التي فاجأت العالم كله وأربكت حسابات تل أبيب وواشنطن .

بل وكانت الصفعة الأقوى لإسرائيل أن ثورة 25 يناير في مصر وضعت ومنذ اليوم الأول لنجاحها القضية الفلسطينية على رأس أولوياتها بعد تراجعها في عهد نظام مبارك السابق ولعل هذا ما ظهر بوضوح في توقيع اتفاق المصالحة بين فتح وحماس ، بالإضافة إلى "يوم الزحف" .

ويبدو أن الضربات لإسرائيل لم تقف عند ما سبق ، فما أن أعلن شباب ثورة 25 يناير عن "يوم الزحف" نحو فلسطين المحتلة لإنهاء الحصار المفروض على غزة والتأكيد على حق العودة ، إلا وسارع كثيرون في العالم العربي لتكرار الأمر ذاته .

ففي العاصمة المصرية القاهرة ، تجمع عدد من الناشطين السياسيين في ميدان التحرير منذ صباح السبت الموافق 14 مايو استعدادا للتحرك في مسيرة إلى رفح ومنها إلى غزة لمساندة الشعب الفلسطيني والتنديد بالاعتداءات الإسرائيلية والمطالبة بوقف تصدير الغاز المصري لإسرائيل والإفراج عن جميع المعتقلين الفلسطينيين في السجون المصرية وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين ومناصرة أهالي قطاع غزة المحاصر منذ أربع سنوات فيما سماه الثوار "يوم الزحف لفلسطين ويوم تحرير القدس".

واللافت للانتباه أن التطور السابق جاء بعد أن احتشد آلاف المصريين في ميدان التحرير في 13 مايو فيما أطلق عليه "مليونية جمعة دعم الوحدة الوطنية والانتفاضة الفلسطينية الثالثة" .

وكان آلاف المصريين أدوا أيضا صلاة فجر يوم الجمعة الموافق 13 مايو مساجد النور وعمرو بن العاص وميدان التحرير والمحافظات المصرية والملقبة بـ "مليونية صلاة الفجر" والتي دعا إليها آلاف المسلمين على موقع التواصل الاجتماعي الالكتروني "فيسبوك" من أجل نصرة الشعب الفلسطينى تحت شعار "الشعب يريد العودة إلى فلسطين" .

ولم يقف الأمر عند ما سبق ، فقد نظم المئات من طلاب جامعة دمنهور وائتلاف شباب الثورة وحركة "لن تمروا فوق أرضي" مسيرة سلمية إلى ضريح أبوحصيرة في محافظة البحيرة المصرية للتنديد بالاحتلال الإسرائيلى لغزة والضفة الغربية وللتضامن مع الانتفاضة الفلسطينية الثالثة ورفض إقامة مولد أبو حصيرة المزعوم بدمنهور.

وقام الطلبة بحرق العلم الإسرائيلى , كما حملوا لافتة تقول "فوق أرضي لن تمروا .. ممنوع دخول الصهاينة", فى إشاره إلى الزيارات المتكررة التى يقوم بها سياح إسرائيليون كل عام إلى ضريح أبوحصيرة.




وردد الطلاب الهتافات التى تندد بالاحتلال الاسرائيلى لفلسطين وتدعو لوقف المجارز بقطاع غزة وتوحيد كلمة الدول العربية لاستعادة الأراضى العربية المحتلة ووقف مختلف أشكال التطبيع مع إسرئيل كتصدير الغاز وطرد سفيرها من مصر.

وبالإضافة إلى الفعاليات السابقة في مصر ، فقد شهدت بعض الدول العربية أيضا مسيرات احتجاجية بمناسبة ذكرى نكبة فلسطين التي توافق 15 مايو/أيار من كل عام .

ففي لبنان ، شارك الآلاف في مسيرة باتجاه تل مارون الراس المطل على فلسطين المحتلة عام 1948 عند حدود لبنان الجنوبية.

وفي الأردن ، احتشد آلاف الأشخاص في بلدة الكرامة الواقعة على الحدود مع الأراضي الفلسطينية المحتلة لإحياء ذكرى النكبة وذلك بمهرجان شاركت فيه عشرات الهيئات الحزبية والنقابية والشبابية.

ورغم أن البعض يرى في دعوات الزحف نحو فلسطين المحتلة أمرا متسرعا في ظل الوضع الحالي وعدم تحقيق كافة أهداف الثورات الشعبية وخاصة فيما يتعلق ببناء دولة قوية تستطيع ردع إسرائيل ، إلا أن الأمر الذي لاجدال فيه أن مثل تلك التحركات من شأنها أن ترعب قادة الكيان الصهيوني حتى وإن لم تستطع الوصول إلى الأراضي المحتلة باعتبار أنها قد تتحول لحقيقة ملموسة في المستقبل القريب خاصة وأن أغلب الشعوب العربية كسرت بالفعل حاجز الصمت والخوف.

ليست هناك تعليقات: