الجمعة، 22 يوليو 2011

نصب تذكاري للبحارة الروس في بور سعيد



نصب تذكاري للبحارة الروس في بور سعيد
كتب:طارق الكرداوى
توجد في بور سعيد مقبرة ارثوذكسية يونانية قديمة دفن فيها بحارة روس ينتمون الى طاقم طراد "بيريسفيت" الذي انفجر بشهر يناير/كانون الثاني عام 1917 في مرفأ بور سعيد دون معرفة الاسباب . ويمكن ان يلقي المرء في هذه المقبرة المنسية بعد مغادرة اليونانيين بور سعيد عام 1956 قطعة ارض صغيرة محيطة بسلاسل بحرية وضع فيها نصب تذكاري كتب عليه ما يلي:" تخليدا لذكرى البحارة الروس الذين استشهدوا في موقعهم القتالي في يناير/كانون الثاني عام 1917 ، تم تشييد النصب التذكراي من قبل وزارة دفاع الاتحاد السوفيتي عام 1954".
كما يمكن ان يشاهد المرء هناك مرسيين بحريين وقبورا للبحارة عددها 26 قبرا منها مجهولة لم ينقش عليها اي اسم الا صليب صغير. اما القبر السابع والعشرون فنقش عليه اسم ايفان ايفانوفيتش رينتشكي ضابط المدفعية في طراد "بيريسفيت" الروسي وتاريخ موته 22 ديسمبر/كانون الاول عام 1916 الموافق 4 يناير/ كانون الثاني عام 1917 بالتقويم الجديد .
قصة انفجار طراد "بيريسفيت" غامضة ومحفوفة باسرار. ومصير طاقمه مأساوي. وتم بناء الطراد في 7 مايو/آيار عام 1898 فدخل في حوزة السلاح البحري الروسي عام 1901 . بلغت حمولة الطراد 12674 طنا وطاقمه 24 ضابطا و736 بحارا. وانضم الطراد إبان الحرب الروسية اليابانية (عامي 1904 – 1905) الى اسطول بور ارتور الروسي فغرق في 7 ديسمبر/كانون الاول عام 1904بمرفأ بور ارتور الداخلي. ويقول البعض ان سبب غرقه يعود لاصابته بقذيفة يابانية. ويقول البعض الاخر ان طاقمه قام باغراقه. لكن اليابانيين قاموا بعد الحرب برفع السفينة الى سطح البحر واصلاحها، فاطلقوا عليها تسمية "ساغامي" اليابانية.
كانت الحكومة الروسية عام 1916 تواجه حاجة ماسة الى سفن بحرية جديدة بغية تقوية الدفاع البحري عن شمال البلاد في وجه القوات الالمانية فاشترت الطراد من الحكومة اليابانية الى جانب الطرادين الروسيين الاخرين "بولتافا" و"فارياغ" المشهور. ووجهت الى منطقة الشرق الاقصى الروسية اطقم لها بقوام 2000 فرد ليستلموا السفن من اليابانيين.
ودخل الطراد "بيريسفيت" مجددا الى السلاح البحري الروسي في 6 ابريل/نيسان عام 1916 ثم توجه من ميناء فلاديفوستوك الى ميناء ارخانغلسك الواقع على شاطئ البحر الابيض. واوكلت الى الطاقم المتألف من 816 فردا مهمة القيام برحلة طويلة ابتداء من فلاديفوستوك في الشرق الاقصى ومرورا بجنوب شرق آسيا والمحيط الهندي وقناة السويس والبحر المتوسط والعودة الى ميناء ارخانغلسك في المحيط المتجمد الشمالي. ووصل الطراد الى بور سعيد في ديسمبر/كانون الاول عام 1916
وينقل مؤلف الكتاب فلاديمير بيلياكوف عن محمود المصري البالغ من العمر 90 سنة (عام 1987) شاهد العيان على انفجار السفينة الروسية قوله:" ظل الطراد الروسي فترة طويلة في بور سعيد، واتذكره جيدا لانني كنت اخدم حينذاك في زورق كبير مزود ب 4 مدافع وتابع للسلاح البحري البريطاني. ونصبت في الطراد الروسي مدافع امريكية اضافية قام زورقنا بنقلها. وخرج الطراد من الميناء برفقة 3 او 4 سفن بريطانية مطلقة النيران خشية من غواصات ألمانية، ثم دوى انفجار".
اما الفرضية الرسمية الروسية فتقول ان طراد "بيريسفيت" اغرقته غواصة ألمانية على بعد 10 اميال من الساحل. وتم انقاذ 720 فردا من طاقم السفينة من مجموع 800 فرد. وبين القتلى 6 ضباط. وشاركت في عملية الانقاذ الى جانب السفن الحربية البريطانية سفن صيد فرنسية. وتم نقل الضباط والافراد المنقذين بمن فيهم قائد السفينة قسطنطين ايفانوف الى مستشفى بريطاني في بور سعيد . ومن الجدير بالذكر ان الصحف المحلية لم تكتب شيئا عن موضوع الحادث بالرغم من ان الشائعات انتشرت في المدينة بسرعة.
وقال قائد الطراد انه يتوقع ان سفينته انفجرت جراء اصطدامها بلغم الماني، علما بان الالمان كانوا يزرعون الالغام بكثرة في مخارج الموانئ المعادية.
لكن البحارة الروس الذين ظلوا على قيد الحياة لم ترضهم الفرضية الرسمية. ويقول بعضهم ان سبب انفجار السفينة هو عبوة ناسفة وضعها داخل الطراد جاسوس ألماني. حتى يذكر البعض الاخر اسمه وهو الضابط فون بالن الالماني الاصل.
ويقول محمود المصري ان الانجليز قاموا ببناء مخيم اقاموا فيه البحارة الروس ومنعوا احدا من الاقتراب منه. وكان البحارة يواجهون مشاكل معيشية في مخيمهم اذ افتقروا الى الملابس وشروط الراحة البسيطة. واستمر الامر كذلك حتى ربيع عام 1917 حين قامت الثورة في روسيا واتخذت السلطة العسكرية البريطانية قرارا باجلاء البحارة الروس الى مدينة مارسيل الفرنسية خشية من الدعاية الثورية التي بدأ البحارة في نشرها بين العسكريين البريطانيين. ووصل القسم الاكبر من طاقم السفينة بقوام 233 فردا على ظهر الطراد "لورن" الفرنسي في 1 اغسطس/آب عام 1917 الى ميناء ارخانغلسك الروسي حيث تم تسريحهم بامر من القيادة العسكرية للحكومة المؤقتة الروسية بسبب معنوياتهم الضعيفة كما قيل.
اما مصير الطراد نفسه فلم يتوقف بغرقه. وقام الدبلوماسيون الروس الذين لم يعترفوا بالسلطة السوفيتية ببيع الطراد الى شخص يدعى بافيتشيفيتش الذي عقد صفقة مع شركة ايطالية لتفكيكه ورفع ما فيه من الاشياء الثمينة الى سطح البحر.
ويقول محمود المصري ان الاستخبارات اليابانية كانت على علم بوجود مجوهرات وقطع ذهبية كانت السفينة الروسية تقلها من الشرق الاقصى.
الا ان عملية تفكيك السفينة لم تنجز وتوقفت في خريف عام 1920 بسبب مجهول او ربما نتيجة افلاس الشركة الايطالية. واستأنفت الاعمال في ربيع عام 1926. وعقد بافيتشيفيتش هذه المرة اتفاقية مع شركة "نيريئيد". وقضت الاتفاقية بتخصيص ربع ما سيتم رفعه من الاشياء الثمينة الى بافيتشيفيتش. وصرح بافيتشيفيتش في مطلع عام 1927 انه ربح جراء هذه العملية ما يقارب 1407 جنيه مصري اعتبر آنذاك مبلغا لا بأس به. ولا يعلم احد ما اسفر عنه العمل على تفكيك الطراد الروسي من النتائج. ويقول البعض انه تم رفع 125 طنا من البرونز.
شهدت بور سعيد في 25 فبراير/شباط عام 1991 زيارة مدمرة "بيزوبريتشني" الحربية السوفيتية الى بور سعيد وحضر البحارة السوفيت الى المقبرة اليونانية وعزفت الاركسترا العسكرية مارش الحداد . وقام قائد الاسطول السوفيتي الاميرال سفياتاشوف والقائم باعمال السفارة السوفيتية في مصر بتدشين النصب التذكاري الجديد تخليدا لذكرى البحارة الروس ووضعا اكليلا من الزهور على النصب. اما المطران فيوفان ممثل الكنيسة الارثوذكسية الروسية في مص فاقام الصلاة.

ليست هناك تعليقات: