الخميس، 2 يونيو 2011

طارق الكرداوى من جمعة الغضب بالتحرير: على الدموى بشار الأسد الرحيل .. فقد طفح الكيل ونفذ الصبر







بقلم ـ طارق الكرداوى




الرئيس السوري بشار الاسد
حقاً .. لم يعد من السهل على المراقب تفسير المواقف التي يتخذها قادة دمشق هذه الأيام من المظاهرات التي تطالب (سلمياً) ، بتنفيذ الإصلاحات التي وعد بها الرئيس بشار الأسد الشعب السوري حين اعتلى سدة الحكم منذ أكثر من عشر سنوات .



(1)



لم يعد ثمة شك في أن النظام السوري قد أتخذ قراراً باستخدام العنف في قمع المظاهرات كخيار غالب في التعامل معها . وليس من شك (أيضاً) أن الرئيس السوري بشار الأسد (الشاب الذي كان الشعب السوري قد بنى آمالاً عريضة عليه حين اعتلى سدة الحكم ، في إجراء إصلاحات سياسية واقتصادية جذرية كما وعد هو نفسه) .. قد اتضح أنه لم يكن على مستوى التمني الذي خاله الشعب فيه .



فالأحداث التي شهدتها سوريا على مرور ما يقرب من ثلاثة شهور أظهرت بما لا يدع مجالاً للشك ، أن تعامل النظام مع المتظاهرين السوريين الذين لم يخرجوا في مطالبهم عن الدعوة (سلمياً) لتنفيذ الإصلاحات التي دعا إليها الرئيس بشار نفسه في بداية حكمه .. أظهرت تلك الأحداث مدى قسوة النظام وبطشه الذي لا يقل بشاعة عن قسوة الدكتاتوريات في التعامل مع شعوبها .



ولسنا بحاجة لمراجعة الأرقام الكبيرة الخاصة بالشهداء والمصابين الذين وقعوا ضحية هذه القسوة ، ولا الاستشهاد بشمولية هذه المظاهرات لكامل التراب السوري ، ولا للمشاهد المرعبة التي تظهر التعامل اللاإنساني الرهيب مع المتظاهرين .. بل يكفي للتدليل على تلك القسوة ، شواهد التعذيب الذي تعرض له الطفل السوري حمزه ، والتمثيل بجثته إلى درجة قطع عضوه الذكري .



كنت (كما حال الكثير من المراقبين) أؤيد الرئيس بشار ، انطلاقاً من التصريحات ومواقف التحدي التي كان يلقي بها في كل مناسبة ضد الهجمة الصهيوغربية على هذه الأمة أولاً ، وللموقف المقاوم الذي اتخذه بالتضامن مع إيران وحزب الله وحركة حماس حيال محاولات إسرائيل وأمريكا فرض أجندتها لحل القضية الفلسطينية والهيمنة على المنطقة بكاملها ثانياً ، ولظننا بأن الرئيس بشار (باعتباره شابا يدرك مطالب الشباب أكثر من الحكام العرب الذين يعيشون مرحلة الشيخوخة والعجز في الأداء لسبب أو لآخر) ثالثاً ،،،



،،، غير أن هذا التأييد لم يعد- بالقطع- في محله ، بعد أن رأينا مشاهد القمع الوحشي الذي مارسته قوى أمن النظام ضد الشعب السوري الأعزل ، وبعد أن تبين زيف ادعاء النظام بأن قوى أجنبية وداخلية تقف وراء عمليات التعذيب وقنص المتظاهرين والتعامل غير الآدمي معهم . فكل الشواهد التي رأيناها خلال ثلاثة الشهور الماضية ، أثبتت أن النظام لا يعرف سوى خيار القوة الباطشة سبيلاً للتعامل مع مطالب الشعب العادلة ، وأن ما يهمه هو (فقط) بقاءه وهيمنته على صناعة القرار في سوريا دون تدخل شعبها .



(2)



لم يكن أمامنا- قبل أن نفقد الثقة بهذا النظام- سوى تصديق تلك الادعاءات التي حاول بها تبرير أسلوب القمع الذي تعامل به وما زال مع المتظاهرين . فالنظام السوري الذي حاول ترسيخ صورته كحارس أمين على القضايا العربية القومية وعلى رأسها قضية فلسطين ، لم نستبعد أن يكون مستهدفاً لمؤامرات خارجية من إسرائيل وأمريكا ودول أوروبا وحتى من أنظمة داخل المنطقة وتنظيمات سرية في الداخل السوري .. فرحنا نصدقه حتى أثبت هو ذاته نقيض ما اعتقدنا .



بل ذهب بنا الظن- في وقت ما- أن ثمة عملاً ضخماً يعد له هذا النظام وشركاؤه في محور المقاومة (الذي يضم إلى جانب سوريا إيران وحزب الله اللبناني وحركة حماس الفلسطينية ) .. ضد الكيان العبري . والأكثر من ذلك أننا تصورنا (في لحظة ما) أن موعد تنفيذ هذا العمل ، لن يتجاوز نهاية ولاية الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد الذي لم يأل جهداً في إقناع الشعب العربي والعالم ، بأن وجود إسرائيل في المنطقة يجب أن ينتهي ، وأن النظام في طهران يعمل جاهداً على إزالة إسرائيل من خريطة المنطقة .





سقوط عدد من الشهداء في مظاهرات سوريا
كما زاد تصديقنا لهذا الظن حين أعلن أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله (الذي يحظى على احترام الأمة العربية لما فعله أجناده في جيش إسرائيل في الحرب التي شنها على لبنان عام 2006) .. أن مهمة حزبة لا تنحصر فقط في تحرير الأرض اللبنانية وإنما تشمل تحرير كامل التراب الفلسطيني ، وأن إسرائيل ليست بتلك القوة التي يستعصي على الأمة إزالتها من الوجود ، حيث وصفها بأنها "أوهى من بيت العنكبوت" .



(3)



حين بدأت المظاهرات في سوريا ، كنا على يقين بأنها لا تستهدف أكثر مما كان يردده المتظاهرون من دعوات ، لتنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي وعد بها الرئيس بشار حين اعتلي سدة الحكم قبل أكثر من عشر سنوات . غير أن رد فعل المسئولين في النظام السوري على هذه التظاهرات السلمية ، كان يتصف بالاستخفاف بمطالب الشعب العادلة ، وذلك بإلقاء المزيد من الوعود التي سرعان ما ينقضها النظام نفسه في ذات اللحظة التي يعد بها ، كما جرى حين نقضت قواه الأمنية قرار الرئيس بشار بإلغاء قانون الطوارئ الذي عاش الشعب السوري تحت وطأته عقوداً طويلة.



كان من الطبيعي- والحال هذه- أن تتصاعد مطالب الشعب السوري الذي لم تعرف عنه الاستكانة أو الضعف أمام الحكام والغزاة ، حين يتعلق الأمر بمحاولة إذلاله أو الإضرار بتراب وطنه . وفي مقابل هذا التصعيد ، كان النظام السوري يزيد من قسوته في التعامل مع المتظاهرين وتعذيبهم وقتلهم بدلاً من أن يستجيب "بالأفعال لا بالأقوال" لمطالبهم المشروعة ، حتى وصل الأمر بالشعب السوري إلى مرحلة نفاذ الصبر والانفجار في وجه النظام ، حين تأكد أن الرئيس بشار الأسد لا يختلف عن الحكام المستبدين الذين يحكمون شعوب المنطقة ، وأنه قد آن الأوان كي ينفض عن نفسه القيود التي يفرضها النظام على كاهله ، بدعوى أن "لا صوت يعلو على صوت المعركة" ، وأن يرفع شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" ، شأنه شأن الشعوب العربية التي تخلصت من حكامها المستبدين مثل مصر وتونس ، وتلك التي ما زالت تجاهد من اجل التحرر من الأنظمة الاستبدادية التي تحكمها كليبيا واليمن .



ليس ثمة شك أن الرئيس بشار كان باستطاعته أن يتجاوز هذه المحنة في بدايتها ، لو أنه باشر (بالأفعال لا بالأقوال) في تنفيذ الإصلاحات السياسية والاقتصادية التي وعد بها . ولا نشك (أيضاً) أن الشعب السوري كان مثلنا .. يظن بالرئيس بشار الظن الحسن ، بدليل أنه كان يتمتع بشعبية مرتفعة وبخاصة بين الشباب أولا ، وأن الاتساع الجغرافي للمظاهرات ورفع شعار "الشعب يريد إسقاط النظام" لم يحدثا إلا بعد مضي فترة طويلة من بدء المظاهرات . وهذا يعني أن الشعب لم يقدم على المطالبة بإسقاط النظام ، إلا بعد أن تأكد أن الرئيس بشار لا يختلف كثيراً عن الحكام المستبدين في المنطقة .



أضف إلى ذلك عدة تساؤلات لا بد أن نقرأ ما تخفيه مواقف النظام السوري ، حيال بعض القضايا الحيوية التي لا تتصل فقط بسوريا وإنما بالقضايا القومية أيضاً ، وأبرزها قول الاقتصادي السوري وابن خال الرئيس بشار رامي مخلوف .. عن أنه لن يكون هناك استقرار في إسرائيل ما لم يكن هناك استقرار في سوريا !!! (بحسب تصريحات السياسي السوري المخضرم عبد الحليم خدام) .



فأقل ما نقرأه فيما وراء هذه السطور ، أن النظام السوري يبحث عن مصلحته فقط .. حتى لو تطلب الأمر الاستعانة بإسرائيل في تحقيق هذا المطلب . وإلا .. فما معنى تصريح أحد المقربين من النظام بهذا القول؟! ، وما معنى أن لا ينفي النظام هذا التصريح الذي يعتبر- في نظرنا على الأقل- مبرراً كافياً للشك في كل إدعاءات النظام السوري ، بأنه الحارس الأمين على المصالح القومية للأمة العربية والحافظ لثوابتها ؟!! . والأهم من ذلك كله .. لم هذا التعامل الوحشي مع الشعب السوري الذي يستمد الرئيس بشار وبطانته منه وجوده وهوية كيانه ؟!! .. ألمجرد أنه يطالب بحقوقه المشروعة في الحرية والديمقراطية ،.. ويطالب بتنفيذ الإصلاحات التي وعد الرئيس بشار هو نفسه بها ؟!!!.



(4)



قد يعتقد النظام في سوريا وعلى رأسه بشار وأعوانه .. أن وضع سوريا الجغرافي (وليس الجيوسياسي بعد قيام المظاهرات) ، لا يسمح بأن يعامله المجتمع الدولي بذات المعاملة التي يعامل بها حاليا المجرم معمر القذافي .



هذا صحيح لإن من غير المتصور أن تقوم قوات الناتو بضرب سوريا كما يجري حالياً في ليبيا بهدف القضاء على نظام القذافي .. لكن الصحيح أيضاً أن هناك ألف وسيلة ووسيله للتخلص من بشار ونظامه .. وبخاصة أنه أصبح ملفوظاً من الشعب السوري أولاً (وهذا هو الأهم) ، كما أصبح ملفوظاً من الشعوب العربية التي تعيش الآن مرحلة ثورة على الأنظمة الاستبدادية التي طالما تحكمت فيها لعقود مديدة .



فإذا ما تصور الرئيس بشار للحظة أن ثمة تصريحات أو اتصالات تأتيه من هناك وهناك ، (وجلها يطالبه بالقيام بإصلاحات سياسية واقتصادية فورية حتى يتجاوز الغمة التي يعيشها نظامه) .. يمكن أن تمد في عمر هذا النظام .. فهو واهم لسببين :





سقوط عدد من الشهداء في مظاهرات سوريا
الأول : أن صبر الشعب السوري على نظامه قد نفذ .. فلم يعد شعار "لا صوت يعلو على صوت المعركة" يأتي بذاك المفعول المخدر الذي كان يمد الشعب السوري بإكسير الصبر .. حيث لم يترجم من هذا الشعار شيء على أرض الواقع .



والثاني : أن الشهداء الذين سقطوا على يد النظام ، والتعذيب المهين الذي لاقاه المتظاهرون الذين وقعوا سجناء في يد زبانية النظام ، والحقد غير المتصور الذي أظهروه في التعامل مع جثث الشهداء وإطلاق الرصاص على مشيعيهم .. كل ذلك لن يشفع للنظام السوري القائم التواصل أوالحوار معه .. والأفضل له أن يرحل الآن قبل الغد .. حتى لا يقع في سوريا ما ليس في الحسبان الذي يعرفه الرئيس بشار قبل غيره .



وفي النهاية نتمنى على الله سبحانه وتعالى أن يخيب ظننا فيما أوصلنا إليه الرئيس بشار ونظامه من سوء الظن فيهما .. فيفاجئنا هو ومؤيدوه في محور المقاومة بعمل ضد إسرائيل .. يشفع له عما فعله في الشعب السوري (لدى السوريين أولاً .. ولدى الشعوب العربية وثوراتها المباركة ثانيا) .

ليست هناك تعليقات: