الخميس، 14 يوليو 2011

لا مشير.. ولا غفير.. مصر راجعة علي التحرير



لا مشير.. ولا غفير.. مصر راجعة علي التحرير
كتب:طارق الكرداوى
لقد كانت جمعة الثورة أولا هي بداية انطلاق الثورة المصرية الثانية، ولقد كانت هذه الجمعة مختلفة تماما عن كل ما سبقها من مظاهرات أو مطالبات بمحاكمات عاجلة لرموز الفساد، ولقد أكد شباب مصر في كل المحافظات أن هناك من يحاول سرقة دماء الشهداء وأن هناك التفافاً واضحاً علي مكاسب الثورة المصرية، وخلال ستة أشهر أعقبت الثورة المصرية التي انطلقت في 25 يناير شهدت مصر محاولات واضحة وعلنية لإعادة الأمور إلي ما كانت عليه قبل سقوط نظام مبارك، ونجح القادة الذين يديرون البلاد في أن يجعلوا مصر أسوأ مما كانت عليه، فعادت الشرطة تمارس دورها في التنكيل بالمتظاهرين وعادت نفس الأساليب القديمة التي انتهجها نظام مبارك في تشويه سمعة المتظاهرين ووصفهم بالعملاء، ولقد ظنت القيادة التي تحكم البلاد أن الشعب المصري يمكن أن يرضخ ويستسلم من جديد، ولقد كانت فترة الشهور الستة الماضية تكفي لكي تجعل الشعب المصري بكل طوائفه يستشعر الخطر القادم، وظهرت الصورة كاملة أمام جموع الشعب المصري، فالمكاسب التي حققتها الثورة أصبحت مجرد صعود تيار ديني أو إعطاء تصاريح لبعض الفضائيات وبعض الصحف.

فلم يحصل الشعب المصري علي أية مكاسب سوي هذه المكاسب، لذلك فقد هب شباب مصر في كل الميادين لكي يطالب بالتطهير الحقيقي وبتنظيف البلد من بقايا عهد الفساد، فقد سقط مبارك لكن بقي نظام مبارك كما هو في كل المؤسسات والهيئات ووسائل الإعلام الخاص والعام.

لقد أصبح المصريون في أسوأ حال، ولقد شاهدنا خلال الشهور التي أعقبت ثورة يناير كل أشكال وألوان الانفلات الأمني والتخريب والتدمير، ولقد شاهدنا نيران الفتنة الطائفية تشتعل في كل مكان، وتراجع الاقتصاد تراجعا رهيبا وتوقفت السياحة وأصبحت مصر تعيش حالة اختناق اقتصادي واجتماعي غير مسبوق وسط صراعات علي المناصب ومعارك علي الدستور والانتخابات البرلمانية.

إن كل شيء في مصر كان يؤكد أن الثورة المصرية سوف تعود من جديد وأن كل فئات الشعب لا يشعرون بأي تحسن في مستوي معيشتهم، واقتصرت مكاسب الثورة علي أصحاب الشو السياسي وعلي غيرهم من بقايا عهد مبارك.

ولقد كانت الأحداث التي سبقت 8 يوليو في ميدان التحرير بأيام تؤكد أن شباب مصر سيعود ليستعيد كرامته ويحافظ علي ثورته فقد شاهدنا جميعا أحداثا أعادتنا إلي ما قبل الثورة وإلي عصر يتحكم فيه رجال الشرطة ويمارسون القتل في الشوارع دون رادع من خوف أو من ضمير، ولقد أكدت أكثر من مرة في هذا المكان وكتبت حول أن دماء المصريين أغلي من أي شيء، وأن الثورة التي أحيت داخل كل مصري روح الشرف والكرامة لن تسمح بتوجيه الرصاص إلي صدورهم، لقد أطلق رجال الشرطة الطلقات المطاطية وقنابل الغاز المسيل للدموع وعادت مصر إلي عهد مبارك وحبيب العادلي.. فلقد انتهي عصر الترهيب والخوف ولن نسمح له بالعودة مرة أخري.

وأعتقد أن الوضع الحالي وراء كل ما يحدث، وأن هذا الوضع الانتقالي أصبح يحتاج إلي قيادة تدير أمور البلاد بشكل رسمي وتتحكم في مؤسسات الدولة وتعيد الانضباط إلي الشارع المصري.

لقد شعر الشعب المصري أن التباطؤ في محاكمة الفاسدين مقصود لكي يعيد هؤلاء الفاسدون ترتيب أوراقهم وتتم تبرئة الكثير منهم، ولقد شعر المصريون أيضا أن الفاسدين ينتشرون في كل مكان وأن البلطجية الذين ملأوا الشوارع هم مافيا رجال الأعمال الكبار الذين ينتقمون من المصريين الشرفاء، ولقد تركت الداخلية بقيادة منصور العيسوي كل هؤلاء البلطجية في الشوارع في الوقت الذي طاردت فيه الثوار والمتظاهرين وأسر الشهداء!!

إن الفاسدين ورموز عهد مبارك مازالوا يتحكمون في مصير البلاد، لأنهم خلال تواجدهم في السجون كانت شركاتهم تمارس عملها وكانت أموالهم تتضخم من جديد.

لقد فعلها شباب مصر واستيقظ لكي يعلن للجميع أن يوم 8 يوليو هو اليوم التاسع عشر في عمر الثورة التي استمرت 18 يوما، فعلها الشباب ليعلن للجميع أنه ليس شعباً ساذجاً أو يمكن الضحك عليه ببعض الصلاحيات الشكلية، لقد استيقظ شباب مصر ليقول للداخلية ورجالها إنه قادر علي حماية نفسه وكرامته وأنه يستطيع أن يحمي الميدان من البلطجية وغيرهم من أصحاب المؤامرات، ولم تشهد ميادين مصر التي خرج إليها الآلاف الأحداث المؤسفة التي كانت تحدث في وجود رجال الشرطة، وهو الأمر الذي يؤكد أن بعض هؤلاء من رجال الشرطة ممن مازالوا مرتبطين بالعهد السابق يتربصون بالشعب المصري ويحاولون الانتقام منه بعد أن فضح نظامهم وكشف أساليب التعذيب البشعة في السجون والمعتقلات وأقسام الشرطة في عهد حبيب العادلي.

أما عن المجلس العسكري الذي كان الدرع الأول في حماية الثورة فقد ترك للداخلية تكوين دولة داخل الدولة وشاهدنا كيف أن الشرطة تتخذ قراراتها بالانسحاب من أي مكان في مصر دون أن توجد هناك قوة حاسمة تضبط هذا الانفلات وتحافظ للمصريين علي أمنهم وأمانهم.

ولقد خاطبت المشير طنطاوي العدد الماضي مطالبا له وللمجلس العسكري باتخاذ قرارات سيادية واضحة تنقل مصر من حالة الفوضي إلي الاستقرار والأمان حتي تعود إلي اقتصادها القوي.

ولا أعتقد أن كل ما يحدث خلال الشهور الماضية كان يرضي عنه المشير طنطاوي، ولا أعتقد أن الشرفاء من قيادات مصر يرضون عما يشعر به المواطن المصري الذي خرج في يناير ليثور علي سنوات القهر والذل والفقر والبطالة والتدمير المادي والمعنوي، ولقد اقترحت علي المشير طنطاوي والمجلس العسكري حلولا لتلك الحالة التي نعيشها من الفوضي وكان أول تلك الحلول أن يقرر المجلس العسكري إدارة أمور البلاد بشكل رسمي وأن يتم تنصيب المشير طنطاوي حاكما عسكريا للبلاد لفترة محددة ووفق اتفاق واضح بينه وبين القيادات السياسية علي أن يتم في تلك الفترة ترتيب الأوراق وإعادة الهدوء إلي البلد استعدادا لمرحلة الانتخابات البرلمانية والرئاسية، أما الحل الثاني فهو أن يرحل المجلس العسكري ويعود رجال قواتنا المسلحة لحماية حدودنا وأن يتم انتخاب مجلس رئاسي، إنني أطالب السيد المشير طنطاوي مجددا وللمرة الثانية أن يفعل واحدا من أمرين إما أن يعلن نفسه حاكما ويحدد الفترة التي يحكم فيها البلاد وإما أن يرحل ويعود فورا إلي ثكناته ويترك الأمور لمن يرون في أنفسهم القدرة علي الحكم، لا نريد تلك الفوضي وهذا الفراغ السياسي، ولن نتحمل كل هذه الضغوط في الوقت الذي نسعي فيه إلي بناء وطن جديد، علي المجلس العسكري أن يتوقف عن تقديم الأعذار والمبررات وأن يحكم ويتحمل مسئولية ما يحدث، ويضمن للمصريين حياة آمنة ومستقرة، أما بقاء الحال علي ما هو عليه وإلقاء التهم يسارا ويمينا وترك حالة الفوضي تسيطر علي الشارع فهذا غير مقبول.

ليست هناك تعليقات: