الاثنين، 14 يناير 2013

طارق الكرداوى والفساد المسكوت عنه


جهاز المحاسبات حذر من خسائرها والنظام السابق استمر في ضخ  المليارات


فوسفات ابوطرطور.. فضيحة السادات وسبوبة مبارك

المشروع فشل .. قضبان السكة الحديد سرقت
 والمساكن تسكنها الاشباح


 تحقيق :  طارق الكرداوى

لم تقتصر مهازل النظام السابق علي  إهدار المال العام والسرقة والرشوة بل تجاوزتها إلى بيع الأوهام للشباب ومحدودي الدخل من خلال المشروعات القومية الكبرى التي طالما أعلنوا عنها في برامجهم السياسية والانتخابية والحصيلة كانت خسائر  بالمليارات مازالت  تعاني منها الدولة حتى وقتنا هذا ..  فلم تتمكن الوزارات المتعاقبة من سد العجز الاقتصادي الذي نتج عن تلك الخسارة علاوة على الديون المتراكمة وكان من أبرز تلك المشروعات مشروع فوسفات أبو طرطور والذي تباهى به النظام السابق على الرغم من عدم جداوه الاقتصادية بعد أن أنفق عليه أكثر من 15 مليار جنيه من أموال الشعب والذي تم اسناده إلى العديد من بيوت الخبرة الأجنبية والتي اتفقت معظمها على عدم جدوى المشروع .إضافة إلى مشروع المنطقة الاقتصادية شمال غرب خليج السويس الذي كبد الدولة خسائر كثيرة منذ الثمانينات وحتى الآن .
مشاريع عملاقة

يقول الدكتور فريد اسماعيل – عضو مجلس الشعب سابقا وأمين حزب الحرية والعدالة بالشرقية وعضو اللجنة التأسيسية للدستور – منت الحكومة الشعب المصري بمشاريع عملاقة في الزراعة والصناعة تحقق أمنياته في الحياة الكريمة وتشغيل الشباب وإنشاء مجتمعات عمرانية جديدة وتحقيق الأمن الغذائي ولكنها فشلت في ذلك فشلاً زريعاً حيث خرجت  ثمانية مليارات و16 مليونا و 102 ألف جنيه من موازنة الدولة ولم تعد بأي فائدة على الشعب المصري صاحب هذه الأموال وذلك للانفاق علي عشرة مشروعات ضخمة كلفت بها الحكومة وزارة الزراعة والتي بدورها كلفت هيئة التعمير والتنمية الزراعية وكان الهدف ضم 850 ألف فدان للرقعة الزراعية وإقامة تجمعات عمرانية ومشروعات زراعية وصناعية وتوفير فرص عمل ولكن كانت النتيجة والمحصلة إهدار خطير للمال العام بسبب الفساد والتخبط وسوء التخطيط ومن هذه المشروعات مشروع فوسفات أبو طرطور الذي بدأت فكرته  عام 1971 عندما تقدم العالم المصري الدكتور رشدي سعيد رئيس هيئة الثروة المعدنية للدكتور عزيز صدقي وزير الصناعة في هذا الوقت بالمشروع وعلى أساسه تم حفر بئر استكشافية بهضبة أبو طرطور بمحافظة الوادي الجديد وأسفرت عن وجود كميات كبيرة من الطفلة الزيتية المستخدمة في إنتاج البترول والتي يصاحبها خامات أخرى كما تم اكتشاف الحجر الجيري الداخل في صناعة الأسمنت .وتضمن المشروع مشروعات خدمية وتكميلية تتمثل في انشاء خط سكة حديد من الوادي الجديد إلى سفاجا بطول 600 كيلو متر والذي تم سرقة 50 كيلو مترا من قضبانه مؤخرا إلى جانب انشاء ميناء سفاجا للتصدير منه ومحطة كهرباء ومدينة سكنية واستكمال الطريق البري .
وبعد ان  بدأت مشروعات البنية الأساسية اكدت تحاليل  عينات الفوسفات أن نسبة الشوائب بخام الفوسفات ضعيفة ولا تؤثر على الإنتاج واتضح بعد ذلك أن نسبة تجاوزت الخمسين بالمائة وتطلب ذلك انشاء مصنع لتركيز الفوسفات وتنقيته من الشوائب مما تتسبب في زيادة هائلة في التكاليف وأيضا مشكلة استخدام معدات الانتاج الخاصة بنظام الحائط الطويل والذي تم تطبيقه لأول مرة في استخراج الفوسفات بمشروع أبو طرطور واتضح أن هذا النظام يستخدم في تعدين الفحم مما أدى إلى فشل معدات الاتحاد السوفيتي واستبدالها بأخرى انجليزية الصنع للوصول إلى الطاقة الانتاجية التي بنى عليها دراسات جدوى المشروع .

اوضح اسماعيل انه بعد الاتفاق مع شركات روسية وانجليزية تم عمل دراسات وبناء مدينة سكنية للعمال ومد خطوط سكة حديد للمشروع الذي تكلف منذ بدايته في آواخر السبيعنيات ما يقرب من 7 مليارات جنيه ولم يتم استكماله أو الاستفادة من الفوسفات وأسعاره العالية أو انتاج الأسمدة الأزوتية أو حتى استخدام المنطقة السكنية مما يعد  مثالا صارخا لإهدار المال العام فضلا عن أن قضبان السكك الحديدية تمت سرقتها وبالتالي ضاع على الدولة 7 مليارات جنيه بأسعار السنوات السابقة أي ما يوازي حاليا 15 مليار جنيه بأسعار اليوم .
اضاف  إنه صدر قرار من لجنة تقصي الحقائق بمجلس الشعب في دورته عام 95 و96 بعدم إنفاق أي استثمارات جديدة على المشروع واعترضت جهات جديدة على استمرار المشروع لما يحققه من خسائر .إلى جانب صدور تقرير من المستشار جودت الملط رئيس الجهاز المركزي للمحاسبات  السابق والذي أكد أن خسائر المشروع تجاوزت 11,2 مليار جنيه مما يشكل خسارة فادحة لهذا المشروع الذي حكم عليه بالفشل بسبب سوء التخطيط والإدارة غير المؤهلة لمثل هذه المشروعات الكبرى وتمادت حكومات مبارك في ضخ استثمارات للمشروع بهدف استخراج أي فائدة منه لحفظ ماء الوجه حتى زادت الخسائر من 13 مليار نصفها هو التكلفة الفعلية والنصف الآخر تراكمات لفوائد وديون تم اقتراضها لاستكمال العمل بهذا المشروع .
ويضيف إنه والعديد من نواب مجلس الشعب السابقين بمختلف فئاتهم وبدوراته المختلفة تقدموا بطلبات إحاطة واستجوابات لرئيس مجلس الشعب  السابق حول هذا المشروع ومن المسئول عن تلك الخسائر وطالبوا بمحاكمته بتهمة الإهدار العمدي للمال العام وأن الحكومة تجاهلت توصيات تقرير لجنة تقصي الحقائق الذي تم تشكيلها بناء على تقرير الجهاز المركزي للمحاسبات حول مدى جدوى استمرار المشروع وانتهت اللجنة إلى عدة توصيات أهمها عدم ضخ أموال جديدة ، وتحديد المسئولية وإجراء التحقيق اللازم في شأن ما ورد من معدات وآلات تبين إنها تالفة وغير صالحة وإنه تم تحويل ما ورد بالتوصية للنائب  العام للتحقيق فيها وذلك في شهر نوفمبر عام 2000 وحتى الآن لم يتم معرفة نتيجة التحقيق
وأكد الدكتور فريد اسماعيل إنه تجرى حاليا خطوات جادة وإعداد دراسات جدوى لإعادة تنفيذ تلك المشروعات الهامة ومن أبرز ما تم سحب أراضي من الفاسدين وهناك بعض الأراضي يجرى عليها تفاوض لسحبها ومراجعة جميع المشروعات لتجنب فشلها مرة أخرى .

دراسات غير دقيقة

أضاف الدكتور محمد الوجيه ـ رئيس قسم هندسة التعدين بكلية الهندسة سابقاً  جامعة القاهرة وعضو لجنة تقييم مشروع فوسفات أبو طرطور -  ان دراسة الجدوى للمشروع لم تكن كاملة الأركان حيث المعلومات التى بنيت عليها غير صحيحة بالرغم من أنه مشروع ذو طموح كبيرة حيث انه كان من المتوقع ان ينتج 13 مليون طن من الفوسفات سنوياً يحتوى على شوائب ليصل الإنتاج بعد إستخلاصها إلى 7 مليون فوسفات مركز وذلك بعد معالجته على ان يصدر منه 6 مليون طن لروسيا و أوكرانيا  والمليون المتبقى للإستهلاك المحلى وكان من المعهود ان يتم إقامة مجمع فوسفورى لإنتاج لأسمدة وحامض الفوسفوريك الذى يستخدم فى العديد من الصناعات الثقيلة وتم إنشاء منجم تجريبى به عدد 2 الحائط الطويل طول الواحد منه 60 متر وعند التصميم يكون طول الحائط 150 متر يستخدم فيه التكنولوجيا والميكنة أى انه أول منجم فى مصريكون مميكن وتكنولوجى بطريق الحائط الطويل وذلك لإنتاج كميات كبيرة جداً من الفوسفات   لم تتعدى  عشر هضبة أبو طراطور ومع التجربة تبين ان الفوسفات المطلوب إستخراجه يوجد على عمق كبير به غطاء صخرى وبالتالى لا يمكن تعدينه بإستخراجه من المناجم السطحية التى تم تخصصها له وإنما يحتاج إلى مناجم غير سطحية ..

صعوبات
أوضح الوجيه إنه مع التجربة ظهر العديد من الصعوبات والمشاكل التى يستحيل معها إتمام المشروع حيث ان الخام مغطى بغطاء صخرى يعطى ضغوط كبيرة على الدعمات كما وجد مشاكل فى التهوية والجزء الصلب من الخام يأكل المعدات التى تم إستيرادها خصيصاً لهذا المشروع ولكنه يحتاج لمعدات ذات مواصفات مختلفة عن التى إختيارها لإستخراجه لذا تم التوقف حيث ان الدراسات التى تمت على الفوسفات الموجود لم يراعى فيها ان المشروعات التعدينية مكاسبها محدودة وتحتاج لإستثمارت كبيرة تسبق عملية الإنتاج بسنوات طويلة كما ان التدعيم والصلابة والتهوية وكل ذلك يحتاج إلى تكلفة عالية جداَ بخلاف المرصود لهذا المشروع الضخم كما انه إنتج منه كميات بسيطة من الفوسفات بواسطة المناجم التى تعمل بطريقة بدئية ويدوية على عكس ما يحتاجه هذا الخام من ميكنة وخبرة كما انه لم يسوق بطريقة صحيحة ومع طرد الرئيس السادات للخبراء الروس تم ترك المنجم وتوقف المشروع رغم ما أنفق عليه بمبالغ وصلت إلى 13 مليار جنيه بدون إنتاج لإقامة منطقة سكنية لخدمة المشروع وخط سكة حديد وميناء وجدير بالذكر ان  الفوسفات المصرى يحتاج لتكنولوجيا عالية  لإحتياجه  لمعالجات معينة حتى نتخلص من الشوائب الموجودة به على عكس الموجود بالمغرب والجزائر فهو نقى و يتوافر بكميات كبيرة ونقله سهل لوقوع هذه الدول على البحر الأبيض المتوسط لذا فكرنا فى تصديره لدول جنوب شرق آسيا كما ان من أسباب إنهيار هذا المشروع الذى إهدر مليارات الجنيهات انه تم البدء فيه بالعكس حيث إنشاء البنية التحتية بتكاليف عالية من إقامة محطة كهرباء ضخمة وحفر آبار للحصول على المياه من السد العالى حيث ان المصنع الذى كان مزمع إقامته يحتاج لتركيز المياه علماً بان الخام الذى اقيم لأجله هذه البنية منخفض الجودة وبالإضافة لذلك تم إنشاء فيلات مكيفة تكيف مركزى و إقامة مستشفى ضخمة وخط سكة حديد بطول 600 كيلو متر للنقل للبحر الاحمر سرق معظمه  مع إقامة ميناء سفاجا تستخدم حالياً لأغراض أخرى . و بعد فترة تم عمل إعادة هيكلة للمشروع حيث تم التعهد بإنتاج حوالى من 5 , 2  ـ 3 مليون طن سنوياً على ان يصدر مليون ونصف المليون  والباقى يستخدم فى الداخل ومع تغيير العالم والصناعات التعدينية تغيرت الجدوى الإقتصادية للمشروع لذا ترأى ان يتم إنتاج مليون طن سنوياً ولكن الآن يتم إنتاج  21 مليون طن من الخام بالقرب من سطح الهضبة بواسطة مقاولين تراب غير متخصصين من الباطن بإهدار لعدم التخصص و الإستخراج بطريقة غير علمية و يصدر منه البعض والعائد يكفى لسداد مرتبات العاملين لرفض وزارة المالية دفعه لوزارة الصناعة ..

النظام السابق

في حين يرى الدكتور محمود عبد الحي – مدير معهد التخطيط القومي سابقا وأستاذ الإقتصاد بالمعهد- أن المشروعات التي أقيمت في العهد السابق ينبغي الإفصاح عنها وعن أسباب فشلها وكان من المفترض أن يكون لها دراسات جدوى مستوفية  إقتصاديا وإجتماعيا وماليا وبيئيا والتنسيق بين جميع الجهات المعنية للتعرف على جدواها إقتصاديا والنتائج المترتبة عليها وأن يكون هناك إرادة في الحسم والاختيار .مرجحا أن عدم الإيمان بالبحث العلمي والاستفادة من خبرات العلماء والباحثين المصريين كان مشكلة أساسية في العهد السابق وهذا أدى إلى فشل العديد من المشروعات القومية وينبغي ألا يتكرر هذا الخطأ مرة أخرى في المرحلة القادمة .

وفي نفس الاطار يرى إسماعيل شلبى ـ خبير إقتصادى ان المشروعات القومية التى أصابها الفشل لم يكن لها جدوى إقتصادية وإجتماعيةً معاً بالإضافة إلى تمويلها بمليارات الجنيهات التى تحول لمشاريع أخرى ولكن الظروف الراهنة لا يمكن إقامة مشروعات قومية للنظر للمصلحة العامة وليست الخاصة والبعد عن شعار أنا ومن بعدى الطوفان ومع تحسن الظروف يمكن إعادة هيكلة المشروعات التى فشلت لأغراض خاصة إذا كانت جدواها الإقتصادية تسمح بالقضاء على البطالة والبلطجة وغيرها من الظواهر التى إقتحمت مجتمعنا .

ليست هناك تعليقات: