الجمعة، 4 فبراير 2011

شفيق وقصة إنقاذ مبارك من "جمعة الرحيل"




شفيق وقصة إنقاذ مبارك من "جمعة الرحيل"

كتب : طارق الكرداوى


بعد يوم من أحداث "الأربعاء" الدامية في ميدان التحرير ، خرج الرئيس المصري حسني مبارك على الملأ في 3 فبراير بتصريحات جديدة أكد خلالها أنه يريد مغادرة منصبه لكنه لا يستطيع في الوقت الراهن بسبب التزاماته تجاه بلاده وشعبه .

وفي مقابلة أجراها مع شبكة "إيه بي سي" الأمريكية " ، أضاف مبارك " فاض بي الكيل وأود الرحيل ولكن أخاف أن تدخل مصر في فوضى ، لايهمني ما يقوله الناس عني وإنما أهتم ببلدي ".

وتابع " الحكومة المصرية غير مسئولة عما حدث يوم الأربعاء الموافق 2 فبراير في ميدان التحرير" ، متهما جماعة الإخوان المسلمين بالمسئولية في هذا الصدد.

واستطرد مبارك " لن أهرب أبدا وسأموت على تراب البلد ، لا أزال أقيم في القصر الرئاسي مع العائلة وتحت حراسة مشددة ".

وفي تعليقه على الدعوات الأمريكية المتكررة لنقل السلطة في مصر فورا ، قال مبارك :" الرئيس باراك أوباما لا يفهم في الثقافة المصرية ، أي انتقال سريع للسلطة سيتسبب بفوضى ، أخشى من فوضى واسعة إذا
تنحيت" .

ورغم أن تصريحات مبارك السابقة ليست الأولى من نوعها منذ تفجر ثورة الشباب في 25 يناير ، إلا أنها تحمل دلالات هامة جدا في توقيتها خاصة وأنها جاءت قبل ساعات قليلة من انطلاق احتجاجات ما أطلق عليه "جمعة الرحيل".












فمعروف أن الشباب المعتصمين في ميدان التحرير وسط القاهرة قاموا في وقت سابق بالدعوة لمظاهرات مليونية جديدة يوم الجمعة الموافق 4 فبراير على غرار تلك التي جرت في مطلع الشهر ذاته لحسم الوضع وإجبار مبارك على الرحيل بصفة نهائية ، إلا أن الرئيس المصري كان له على ما يبدو رأي آخر ، حيث استبق احتجاجات "جمعة الرحيل" بالتأكيد مرة أخرى أنه لن يتنحى بل وجدد أيضا التصريحات التي أدلى بها في مطلع فبراير حول أنه يريد أن يموت على تراب مصر.

ولم يقف الأمر عند ما سبق ، فقد استبق مبارك أيضا احتجاجات "جمعة الرحيل" بإجراءات سريعة لتدارك تداعيات "المجزرة " التي تعرض لها الشباب المعتصمون في ميدان التحرير يوم الأربعاء الموافق 2 فبراير عبر تأكيد استيائه الشديد لما حدث ، بالإضافة إلى قيام رئيس الوزراء المصري أحمد شفيق بالاعتذار رسميا عن تلك المأساة بل والتعهد أيضا بتشكيل لجنة تحقيق على الفور لمحاسبة الجناة والذين يعتقد على نطاق واسع أنهم من "بلطجية" الحزب الحاكم .

ورغم أن واشنطن شنت هجوما لاذعا على الحكومة المصرية عشية مظاهرات "جمعة الرحيل" ، إلا أن الرئيس مبارك لم يأبه بما سبق ، بل إنه بدا أيضا وكأنه يخطط لأن تكون المظاهرات المعارضة له هي الأخيرة من نوعها بعد اتخاذ خطوة فعلية لتهدئة المحتجين والمقصود هنا قرار النائب العام المصري المستشار عبد المجيد محمود بمنع أمين التنظيم السابق في الحزب الوطني الحاكم أحمد عز ووزراء السياحة والإسكان والداخلية وعدد آخر من المسئولين من السفر للخارج وتجميد حساباتهم في البنوك وهو الأمر الذي قوبل بارتياح في الشارع المصري .

وبالتزامن مع قرار النائب العام ، خرج كل من رئيس الوزراء أحمد شفيق ونائب الرئيس عمر سليمان أيضا وعشية "جمعة الرحيل" بتصريحات بدت وكأنها "خطة طريق" لتنفيذ مطالب المحتجين بعيدا عن الوعود الزائفة التي كان يتم إطلاقها في الماضي .

بل واللافت للانتباه أيضا أن سليمان وجه الشكر صراحة لشباب 25 يناير وأكد أنهم الشرارة التي أوقدت الإصلاح في محاولة ضمنية على ما يبدو لرد الاعتبار لهم بعد اتهامات بالخيانة وجهها البعض لهم في وسائل الإعلام الرسمية.

ولم يقتصر الأمر على ما سبق ، فقد حاول شفيق والذي وصفه البعض بأنه شخص "مهذب ومقبول وأثبت نجاحا كبيرا عندما كان وزيرا للطيران" طمأنة المحتجين أيضا بطريقة إنسانية بعيدا عن أسلوب "الغطرسة" الذي اتسم به سلفه أحمد نظيف ، فهو طالب الشرطة بعدم التصدي لمظاهرات "جمعة الرحيل " .

كما أكد استعداده للتوجه إلى ميدان التحرير لمحاورة المعتصمين ، بل وأجاب على مطلبهم الأساسي بتنحي الرئيس مبارك بطريقة غير معتادة في مثل تلك الظروف ، قائلا :" ترك الرئيس مبارك موقعه يجب أن يتم بشكل كريم ، ثورة 23 يوليو عندما أطاحت بالملك فاروق قامت بأداء التحية الملكية له وهو يغادر مصر ، يجب أن نعود لأصولنا وأخلاقياتنا ، من غير المعقول والمقارنة ليست في وضعها أن يقوم ابن بطرد والده من المنزل لوجود خلافات بينهما ، لا نريد أن نهين أنفسنا أمام العالم فنحن بلد الحضارة ".

تدخل أمريكي سافر









ورغم أن واشنطن سارعت لشن أقوى هجوم من نوعه ضد نظام مبارك والحكومة المصرية عشية "جمعة الرحيل" ، إلا أن هناك من يرجح أن هذا الأمر قد يصب في مصلحة مبارك بالنظر إلى رفض المصريين الشديد للتدخل الأمريكي في شئونهم الداخلية .

وكان المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية فيليب كراولي جدد في تصريحات له مساء الخميس الموافق 3 فبراير الدعوة للبدء بإجراءات نقل السلطة في مصر على الفور ودون تأخير .

وأشار في هذا الصدد إلى تلقي واشنطن معلومات حول وقوف محسوبين على النظام الحاكم وراء أحداث الأربعاء الدامي ، مرجحا أن تخرج مظاهرات ضخمة يوم الجمعة الموافق 4 فبراير.

وسرعان ما خرجت وزيرة الخارجية الأمريكية هيلاري كلينتون هي الأخرى بتصريحات انتقدت خلالها بشدة الهجمات على الصحفيين والمعارضين في ميدان التحرير ، مطالبة الحكومة المصرية وممثلي المعارضة ببدء مفاوضات نقل السلطة على الفور .

ولم يقف الأمر عند ما سبق ، فقد حملت كلينتون أيضا الجيش المصري وحكومة أحمد شفيق مسئولية حماية المحتجين ، وما أن انتهت من تصريحاتها السابقة إلا وسارع نائب الرئيس الأمريكي جو بايدن لإجراء اتصال هاتفي بنظيره المصري عمر سليمان لدعوته لإجراء حوار مع المعارضة على الفور وتشكيل حكومة ديمقراطية .

وكان آخر فصول التدخل الأمريكي السافر في الشأن الداخلي المصري هو تقديم مشروع قرار في مجلس الشيوخ الأمريكي يطالب مبارك بنقل السلطة في مصر فورا إلى حكومة مؤقتة ، الأمر الذي أعاد للأذهان ذكريات الوصاية الدولية وعقود الاحتلال والإمبرالية العالمية.

ويبدو أن واشنطن لن تقف عند حدود ما سبق بالنظر إلى أن نظام مبارك الذي كان حتى أيام قليلة مضت من أقرب حلفائها في المنطقة بدا وكأنه بات يشكل عبئا عليها وقد يهدد مصالحها في حال تفجرت الأوضاع بطريقة غير محسوبة من وجهة نظر مصالحها في المنطقة .

ولعل تخبط التصريحات والمواقف الأمريكية منذ تفجر ثورة شباب 25 يناير يدعم صحة ما سبق ، فبعد أسبوع من إعلان واشنطن أن حكومة الرئيس مبارك مستقرة إذا بها تتراجع مع تصاعد حدة الاحتجاجات وتدعوه إلى بدء إجراءات نقل السلطة على الفور.

وبصفة عامة ، فإنه رغم أن ثورة الشباب التي تفجرت في 25 يناير أصرت بشدة على تنحي مبارك ، إلا أن الأمر الذي يجمع عليه المصريون أن الأزمة الحالية ينبغي أن يتم حلها في إطار داخلي بعيدا عن أية تدخلات أمريكية.

ويبقى التساؤل اللغز " ماذا سيحدث في جمعة الرحيل ؟ "









وبالنظر إلى أن الإجابة ليست بالسهلة في ظل وتيرة الأحداث المتسارعة والتي تحمل مفاجآت كثيرة بين لحظة وأخرى ، فقد تباينت التفسيرات في هذا الصدد ، فهناك من يرى أن صوت العقل قد يحسم الأمر في النهاية خاصة بعد تعهد مبارك بعدم البقاء في السلطة عقب نهاية فترته الحالية في سبتمبر/أيلول المقبل وتعهده أيضا بتعديل الدستور ومكافحة الفساد واحترام أحكام القضاء بشأن دعاوى التزوير في الانتخابات البرلمانية السابقة بالإضافة إلى تعيينه نائبا له وهو مطلب تجاهله منذ توليه السلطة قبل 30 عاما ، الأمر الذي يعني أنه قبل معظم مطالب المحتجين وفي مقدمتها الرحيل عن السلطة ولو بشكل غير فوري .

أيضا فإن تأكيد مبارك أكثر من مرة أنه يريد أن يموت في مصر قوبل ببعض التعاطف الشعبي ، بل وذهب البعض في هذا الصدد إلى أن كل تلك التنازلات من جانب رئيس لم يعتد على ذلك طوال 30 عاما أمر يجب تقديره حتى لو جاء تحت الضغط الشعبي.

ورغم غياب الثقة بين المحتجين ونظام مبارك ، إلا أن التفسير السابق يرى أن الشعب قد تغير وعرف أخيرا طريقه للتظاهر والضغط من أجل التغيير وبالتالي يمكنه التحرك مجددا إذا لم ينفذ الرئيس تعهداته.

وفي المقابل، يرى البعض الآخر أن استجابة مبارك لمطالبهم جاءت متأخرة جدا وأن تصريحاته منذ تفجر ثورة شباب 25 يناير تؤكد أنه لا يدرك حجم الرفض الشعبي ولا يأبه إلا بالتشبث بالسلطة بدعوى تجنيب البلاد ويلات عدم الاستقرار.

بل وذهب هذا التفسير إلى أن تنازلاته غير المعتادة جاءت تحت وطأة الضغوط وأنه استنكف عن مجرد تقديم الاعتذار لأسر من قضوا من المحتجين برصاص الشرطة .

وأيا كان صحة ما سبق وإلى حين يتم حسم الجدل في هذا الصدد خلال الأيام المقبلة ، فإن الأمر الذي لاجدال فيه أن ما حدث في ميدان التحرير يوم الأربعاء الموافق 2 يناير بات يشكل وصمة عار في التاريخ المصري العريق ولذا لابد من تخلي الجميع عن حساباتهم الشخصية سريعا لتفويت الفرصة على المتربصين وخاصة إسرائيل من جهة واستعادة مصر دورها الريادي في العالمين العربي والإسلامي من جهة أخرى.

ليست هناك تعليقات: