الجمعة، 22 أبريل 2011
طارق الكرداوى يكتب عن ...الغموض سيد الموقف في الثورة المصرية وأيديولوجيات قديمة متناقضة وشباب جدد بلا قيادة وجيش بلا أجندة واضحة
إلى أين تسير الأمور في مصر ؟
تشير حالة انعدام الأمن وتزايد عمليات البلطجة وتعمد الإخلال بالأمن العام، وتكرار المظاهرات الفئوية، فضلًا عن محاولات إشعال الفتنة الطائفية وتعميم التعصب الطائفي بصورة مخيفة في عدد من المحافظات والمدن المصرية - إلى أن البلاد تمر بمرحلة دقيقة للغاية، هي بكل تأكيد مرحلة مفصلية في تاريخها ستحدد نتائُجها وجهة المستقبل الذي تنتظره البلاد.
صحيح أن كل الثورات التي تقوم بها الشعوب تتبعها مرحلة انتقالية تتسم بنوع من عدم الاستقرار والاضطراب، إلا أن المؤشرات الأولية التي حملتها ـ حتى الآن ـ المرحلة الانتقالية في مصر تُنبأ بأخطار مُحدقة تواجه مستقبل هذا البلد، إذا لم تكن هناك وقفة حقيقة من قبل الأطراف الفاعلة وأهم تلك الأطراف بكل تأكيد هو الشعب وشبابه الذين قاموا بثورة يناير المجيدة.
ثورة غير مكتملة
أهم ما يميز الثورة المصرية عن جميع ثورات العالم، هو موقف الجيش المصري من الثورة بانحيازه للشعب، إلا أن أزمة المرحلة الانتقالية في مصر تكمن في عدم وجود قيادة ظاهرة وحقيقية للثورة، وهو ما جعل مهمة الجيش الذي يتولى زمام المرحلة الانتقالية أكثر صعوبة، فالثورة المصرية, وكما رآها الدكتور وحيد عبد المجيد تنتمي إلي نوع من الثورات التي توصف بأنها غير مكتملة لأنها نجحت في إسقاط رأس النظام الذي ثار الناس ضده ، ولكنها لا تمتلك القدرة علي إزالة هذا النظام من جذوره في وقت قصير، كما أنه في بعض الثورات غير المكتملة يعتمد الثوار علي غيرهم في العمل من أجل تحقيق أهدافهم، وفي حالة مصر الراهنة تطلعت ثورة 25 يناير إلي الجيش لمساعدتها في ذلك ووثقت في التزامه بأهدافها فأيدت توليه إدارة شئون الدولة في مرحلة الانتقال إلي نظام سياسي واجتماعي جديد.
وبحسب صحيفة فايننشال تايمز البريطانية خلف حكم مبارك المستبد على مدى عقود من الزمن مشهدا سياسيا فارغا من مضمونه، تعرضت فيه مصداقية الأحزاب المعارضة للتشكيك. وأنتج التخلص من دكتاتورية نظام مبارك عددا من القوى السياسية والأيديولوجية المتناقضة، يسعى كل منهما لتشكيل النظام الجديد، فيما بدا ائتلاف شباب الثورة دون قائد معين حتى الآن.
التوترات الطائفية
ربما كان التنافس بين القوي السياسية والأيديولوجية ـ رغم اختلاف الأهداف وتناقضها ـ في صالح مستقبل البلاد، إلا أن المخيف في المسألة المصرية ظهور مؤشرات خطيرة عن مواجهات بين الأيديولوجيات الدينية، فهناك مخاوف من أن تؤدي الحالة السياسية السائدة في البلاد إلى إشعال التوترات الطائفية بين المسلمين والمسيحيين، والتي كانت تجيش في ظل الحكم القمعي، وهو ما بدأت بوادرها تظهر بالفعل في عدد من المحافظات والمدن المصرية، كان آخرها وأخطرها التوتر الذي يسود محافظة قنا بسبب احتجاجات مستمرة لمسلمين على تعيين قبطي بمنصب المحافظ.
ويرجع الدكتور محمد صفار في دراسة نشرتها مجلة السياسة الدولية بعنوان "إدارة مرحلة ما بعد الثورة: حالة مصر" تصاعد المواجهات الإيديولوجية بين المسلمين والمسيحيين في تلك الفترة إلى قوى الثورة المضادة، مشيراً إلى أنها أول التناقضات التي تسعي إليها الثورة المضادة ضمن إستراتيجيتها التي تقوم على تفجير التناقضات داخل المجتمع المصري، وتحطيم شبكة التحالفات التي تؤلف القوي الثورية، بما يثبت للداخل والخارج أن النظام السابق -حتى وإن كان قد شابه استبداد أو فساد- فقد كان ضروريا لحماية البلاد من الفوضى. وهو ما يهيئ البلاد لإعادة القيادة السياسية السابقة لدفة الحكم، أو إعادة إنتاجها نمط الحكم السابق في قوالب جديدة، من أجل استعادة النظام.
على أي حال إذا كانت البلاد تمر في بداية ميلاد سياسي جديد إلا أن الجيش ما زال يحكمها. ويقول المتشككون إن ذلك أشبه بالتناقض، ولكنه تناقض متجذر في طبيعة الثورة الشعبية التي انتصرت فقط لأن الجيش قرر عزل مبارك.
وحتى الآن ليس من الواضح ما إذا كان المجلس العسكري قد وضع مسودة لنوع الدولة التي يجب أن تبرز من المرحلة الانتقالية، أو ما إذا كانوا يسعى إلى إملاء نتيجة محددة. وأنكر قادة المجلس تماماً دعمهم لأي مرشح للرئاسة في الانتخابات التي ستجرى خلال شهر تشرين الأول (أكتوبر)، أو تشرين الثاني (نوفمبر)، وصرح المجلس بأنه لا يخطط للتمسك بالسلطة.
يقول عمرو الشوبكي، المحلل السياسي: "لغاية الآن، ليس هناك شيء واضح. والشيء الوحيد الواضح الآن هو انفتاح المجال أمام العمل السياسي، وعلى الجميع أن يسعى إلى استغلال ذلك دون التدقيق كثيراً فيما يمكن أن يكون يجري خلف الكواليس. ويجب على القوى السياسية أن تبدأ العمل لفرض الظروف، وسنرى بعدئذ كيف ستجري الأمور".
مجرد البداية
في كلاسيكيات الفكر السياسي يحلل أرسطو في كتابه "السياسة" أسباب الثورات ويخلص إلي أساليب الوقاية منها والحفاظ علي كيان الدولة. فالثورة لا تزيد عند أرسطو علي كونها شر لابد من الاحتراس من بداياتها، فالأخطاء تكمن دائما في البدايات التي يؤدي التهاون معها إلي انفلات الأمور، فيما يري الباحث والمفكر الفرنسي "زيجمونت باومان" أن طبيعة النظام الجديد بعد الثورة لا تحددها القوي الاجتماعية أو السياسية، التي أسقطت النظام القديم، وإنما بالمصالح التي ستنشأ علي الأرض عقب انهياره، وستجتذب قوي أخري لإقامة نظام جديد يدافع عنها.
لذا على شباب الثورة أن يدركوا جيدا أن مهمتهم تجاه وطنهم لم تنته بخلع مبارك وحتى نظامه من الحكم، ولكن هذه هي مجرد البداية، فالطريق مازال طويلاً والحفاظ على مكتسبات الثورة لا يزال يحتاج لجهود مفجريها، والانسحاب من المشهد في تلك اللحظة العصيبة قد يكلف الوطن غالياً، ويعيدنا مرة أخرى إلى نقطة الصفر، وربما إلى ما قبل ذلك، وتلك مصيبة بكل المقاييس.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق