السبت، 30 أبريل 2011
حسام عيسى لـ(طارق الكرداوى): تجميد ثروات مبارك وعائلته ورموزه مجرد حبر على ورق
حوار:طارق الكرداوى
أعلن عدد من دول العالم عن تجميد أرصدة عائلة مبارك وعدد من المسئولين فى نظامه لديها، إلا أن علاقات رموز النظام السابق القوية ببعض مسئولى هذه الدول، مثل علاقة الرئيس السابق مبارك برئيس الوزراء الايطالى بيرلسكونى، وعلاقات بعض الوزراء ورجال الأعمال المصريين بالمسئولين فى دول مثل إيطاليا والإمارات، تؤخر من أى تجميد حقيقى للأموال تحت ادعاء عدم استيفاء الحكومة المصرية للإجراءات اللازمة لشروط معاهدة الفساد، بحسب ما قاله أستاذ القانون الدولى بجامعة عين شمس، وعضو اللجنة القانونية لاسترداد أموال مصر فى الخارج، حسام عيسى، فى حواره مع «صوت الحق»..
●ما هى آخر التطورات فى ملف استرداد أموال مسئولى النظام السابق فى الخارج، وما حقيقة تجميد الثروات الخاصة بهم؟ وإلى أى مدى تتعاون الحكومة المصرية مع اللجنة الشعبية لاسترداد الأموال؟
ــ الحكومة المصرية عندها المعلومات الخاصة بهذا الملف وما تم إنجازه فيه حتى الآن، ولكنها للأسف لا تعلن عن أى تفاصيل بهذا الشأن، وهذا يقلقنا. فعلى الرغم من تصريحات الدول المختلفة عن تجميدها ثروات عائلة مبارك، فإن كل المعلومات المتوافرة لدينا من قبل زملائنا العاملين فى بعض هذه الدول مثل إنجلترا، وإسباينا، وإيطاليا، وحتى الأسبوع الماضى، تؤكد أن هذه التصريحات ليست إلا «حبرا على ورق»، ولم يتم اتخاذ أى إجراء فعلى. وهذا ليس حكما جزافيا، بل لدينا معلومات موثقة من زملائنا والعاملين بالأجهزة الخارجية، يؤكدون عدم مخاطبة الحكومة المصرية لأى من هذه الدول. فعلى سبيل المثال، اتصل بى أحد العاملين فى الصحافة الإنجليزية، أكثر من مرة للتعرف على رؤيتنا الخاصة بكيفية استرداد هذه الأموال، مؤكدا أن الحكومة البريطانية لم تتخذ بعد أى خطوات ملموسة بشأن التجميد، منتقدا تخاذلها فى هذا الأمر.
●ما هو السبب إذن وراء هذا التأخير؟
ــ المشكلة فى الحقيقة تكمن فى مصر، فعلى الحكومة أن تقوم بتوفيق أوضاعها بأقصى سرعة ممكنة، وعليها تشكيل لجنة وطنية، تضم ممثلين للحكومة، وآخرين عن المجتمع المدنى، لتحدد ما هو المطلوب والنقاط التى علينا استيفاؤها لاستعادة الثورات المنهوبة. فعملية تجميد الأموال، لا تعنى استردادها، فتلك عملية أكثر تعقيدا بكثير، ولابد من استيفاء شروط كثيرة حتى لا نعطى هذه الدول فرصة للتخاذل أو للتنصل منها. كما أنها تأخذ وقتا، ولذلك يجب الإسراع لكى ننقذ ثرواتنا. والأهم من ذلك الضغط عليها من أجل متابعة خط سير الأموال التى تم تهريبها. «كم مرة صرخنا وطالبنا أثناء ولاية حكومة شفيق بتجميد أموال مبارك وعائلته قبل تهريبها، ولم يحدث. وكانت النتيجة أن يخرج علينا الرئيس السابق بحديثه «المتبجح» مؤكدا أنه لا يملك أى أرصدة خارجية، باعثا رسالة واضحة أن الأموال تم تحويلها إلى مكان آمن. فلنلحق البقية المتبقية قبل فوات الأوان». قضية استرداد الأموال محورها الإرادة السياسية القوية والضغط الشعبى المتواصل، فـ«على الحكومة المصرية إطلاق قذائف مستمرة من الرسائل إلى هذه الحكومات مستغلة الغضب الشعبى لإلزامها بالتجميد»، والضغوط لها أشكال متعددة، ولكن الضغط الشعبى أقواها.
الضغط الشعبى سلاح رئيسى
●هل من المتوقع أن تستجيب هذه الدول إلى هذه الضغوط؟
ــ هذا يتوقف على قوة الضغط ومدى صحة الإجراءات التى ستتبعها مصر لاستيفاء الشروط، فـ«ليس من الطبيعى أن تسعى هذه الدول إلى عداوة 80 مليون مصرى غاضبين من ضياع ثرواتهم»، لاعتقادهم أنها تسعى هى الأخرى إلى نهب ثرواتهم. لذلك يجب على الحكومة المصرية مخاطبة المجتمع المدنى الأجنبى، وهو على أتم استعداد للمساعدة، والكثير تطوع بالفعل، من أجل نقل صورة واضحة عن مدى ثورة الشعب المصرى على هذا الوضع، ورغبته فى استرداد حقوقه. واعتقد أن هذا الضغط قد يؤتى ثماره فى إطار الإعجاب الهائل بالثورة المصرية. ولا يجب أيضا أن نغفل أن هذه الدول تخشى سيطرة بعض الفئات التى ظهرت بقوة بعد الثورة، مثل التيار الإسلامى، على الحكم.
والأهم من ذلك تشجيع الدول الأجنبية على رد هذه المبالغ من خلال طمأنتها لأن عملية الاسترداد لن تكون تكاليفها باهظة، وأن الأموال المنهوبة ضرورية لمعالجة آثار الفساد «الذى نهش فى ثروات مصر على مدى 30 سنة متواصلة»، وآثار الثورة وما تبعها من تدهور فى بعض القطاعات الأساسية مثل السياحة.
●وكيف يتم ذلك من وجهة نظركم؟
ــ يجب فى بادئ الأمر طمأنة تلك الدول بأن المبالغ الموجودة فى بنوكها لن يتم استردادها مرة واحدة، بل على أقساط، فليس من الطبيعى أن نسترد هذه الأموال فى أسبوع مثلا. ومن جهة أخرى فإن هذه الأموال «لن يتم توزيعها على الشعب المصرى»، بل بالعكس ستعود إلى خزينة الدولة لتستفيد منها على أتم وجه. وفى هذا الإطار، أقترح إنشاء صندوق حكومى يتم وضع الأموال التى يتم استردادها فيه، على أن يتم تحديد المجالات التى ستستخدم فيها.
●لقد أشرت سابقا إلى ضرورة استيفاء شروط معاهدة الأمم المتحدة لاسترداد الأموال.. فما هى الإجراءات اللازمة لذلك؟
ــ اتباع الإجراءات السليمة شرط أساسى لنجاح هذه العملية، وإفشال أى محاولة مراوغة من قبل هذه الدول فى ردها، ومن ضمن هذه الإجراءات، محاكمة المتهمين بمحاكم عادية، وفقا للقانون العادى، أمام القاضى العادى، لكى تتوافر لهم شروط المحاكمة العادلة. وليس فى محاكم استثنائية، كما طالب البعض فى الآونة الأخيرة. فلا ينبغى أن نخلط بين المحاكم الاستثنائية الخاصة بمحاكمة الفساد السياسى، والمحاكمات الخاصة بالفساد المالى.
نقطة أخرى، يجب أن يكون فى لجنة الدولة المكونة لاسترداد الأموال، ممثلون عن القطاع الأهلى، وهذا لم يحدث، وقد طالبنا أكثر من مرة هذا على الهواء ولم نتلق أى رد من الحكومة.
ومن أهم النقاط التى يجب الاعتماد عليها لإتمام المهمة على خير وجه هو ضرورة الاستعانة بالخبرة الفنية لبعض الدول، من خلال الإطلاع على التجارب الناجحة فى استرداد الأموال، مثل الفلبين وأمريكا اللاتينية ونيجيريا، وكذلك التجارب التى لم تنجح، حتى لا نقع فى أى خطأ يترتب عليه ضياع هذه الأموال. وهناك أعضاء من منظمة الشفافية الدولية، متطوعون لتقديم هذه المعونة.
الكرة فى ملعب الحكومة المصرية
ولا يجب المماطلة
●هل من الممكن إجراء نوع من المقايضة مع هذه الدول بحصولها على نسبة من الأموال مقابل ردها؟
ــ لا يجب فى بداية الأمر اللجوء إلى هذا النوع من التفاوض، بل يجب أن يكون صوتنا أقوى من ذلك، فهذه الأموال هى ثرواتنا وحقنا المشروع، ولا يصح لأى دولة التخاذل فى ردها. إذا بدأنا بهذا النوع من الاتفاقيات، سنعطى على الفور إلى الطرف الآخر فرصة للضغط والتلاعب، وهذا مرفوض. هذا النوع من المقايضة قد يكون ورقة ناجحة فى المرحلة الأخيرة من عملية الاسترداد، أى للكشف عن الأموال التى تم تهريبها فى الفترة «الطويلة» التى سبقت قرارات التجميد. ولا أعتقد أننا سنضطر إلى الوصول إلى هذه المرحلة إذا أوصلنا الرسالة واضحة، خصوصا أن القسط الأعظم من المسئولين فى هذه الدول على دراية بما تعرضت له مصر من عمليات نهب.
●وكيف علمت ذلك؟
ــ أول مرة أعرف أن مصر يتم نهبها كان من خلال أحد المسئولين أصدقائى فى فرنسا، أحد سفراء فرنسا فى القاهرة، كان أمينا عاما لوزارة الخارجية الفرنسية، وعمل كممثل عن فرنسا فى الأمم المتحدة، ويبدو أن مصر هى التى طلبت منه أن يرحل. فقد قال لى: «إن النظام المصرى يقوم بتكوين جزر من الثراء المذهل لا يقارن بألف ليلة وليلة، تحوط به طبقات من الفقراء، ولا يمكن أن يبقى إلا إذا استخدم أقصى درجات العنف مع هؤلاء». فهم كانوا يعلمون جيدا بعمليات النهب، ولذلك لا أعتقد، أنهم سيماطلون فى حالة التوصل إلى صيغة مناسبة فى الاسترداد، فالضغط سيؤتى ثماره. ولكن الكرة الآن فى ملعب الحكومة المصرية. فلا يجب المماطلة أكثر من ذلك. فيجب أن نركز على استيفاء الإجراءات المناسبة بدلا من إرسال وفد إلى الخارج، لا يضم حتى الأسماء الخبيرة فى تخصص استرداد الأموال العاملة فى الخارجية، ليتفاوض من أجل استرداد الأموال. «هذه ليست إلا نفقات ضائعة لأن أى سفير لنا فى هذه الدول قادر على هذه المفاوضات، لنوفر إذن ثرواتنا ونبدأ على الفور».
●أكد كثير من العاملين فى البنوك المصرية ــ منهم هشام عز العرب ــ رئيس مجلس إدارة البنك التجارى الدولى ــ على ضرورة الاستعانة بشركات متخصصة فى عملية تتبع الأموال من أجل استردادها. إلى أى مدى يمكن الاستفادة من هذه الفكرة؟
ــ هذا الخيار أيضا مرفوض فى المرحلة الأولى. فهذه الشركات المتخصصة تحصل على نسب هائلة مقابل تقديم خدماتها وتتبع الأموال، فلماذا إذن نلجأ إليها فى بادئ الأمر، خصوصا إذا كانت الدول تستطيع أن تكشف عن بعض هذه المعلومات، من خلال العلاقات الدبلوماسية. لنؤجل إذن هذه الفكرة إلى مرحلة متأخرة، لتتبع الأموال التى تم تهريبها بطرق غير مشروعة مقابل نسبة ضئيلة. فلا «يجب أن نفرط فى أموالنا مرة أخرى بسهولة». ولكن مما لا شك فيه أن هذه الشركات ستكون ضرورة فى مرحلة ما، خصوصا أن عمليات النهب والتهريب التى تمت كلها، تضافرت فيها جهات دولية كبيرة ومتشابكة، مثل مكاتب محاماة دولية، وشركات استثمارية، وبنوك مصرية، مما يجعل تتبعها أمرا صعبا جدا، والحصول عليها أصعب. ولذلك قد يكون على الحكومة المصرية اتخاذ بعض الإجراءات التى تسهل من تتبع هذه الأموال.
●ما هى هذه الإجراءات؟
ــ يتم صياغة قانون خاص ينص على سبيل المثال على أن كل من يتقدم للشهادة ويدلى بمعلومات تؤدى إلى معرفة مكان أموال «جديدة»، وكيفية تهريبها، والأساليب التى يتم الاحتفاظ بها ــ كاسم الشخص أو الشركات الاستثمارية التى ساعدت فى تهريبها ــ يتم إعفاؤه من أحكام قضائية أو تخفيفها مثلا.
قانون التصالح الحالى أكبر خديعة للشعب
●تدرس الحكومة حاليا إمكانية إصدار قانون للتصالح مع رجال الأعمال المتهمين.. فهل تؤيد هذه الفكرة؟
ــ بالطبع لا. قانون التصالح التى تدرسه الحكومة كارثة بكل المقاييس، وسيكون أكبر خديعة للشعب المصرى. فالتصالح الذى تتحدث عنه الحكومة خطر للغاية، لأنه يقصر الأمر على تسوية مالية يقوم بها رجل الأعمال المتهم لحصوله على أرض ما بسعر زهيد، وهى لا تمثل سوى جزء ضئيل من ثرواته. ومن ثم فهو يتجاهل بقية ثروته التى كونها أيضا بطرق غير مشروعة. القضية ليست أراضى فقط، فالأراضى موجودة، وسنستردها بأى شكل من الأشكال. ولذلك يجب أن يكون التصالح شاملا لكل أموالهم، وبقدر حجمها بقدر ما يكون حجم التسوية. فـ«قضية الأراضى لا تمثل إلا رأس جبل الجليد فى ثروته، والجزء غير المكشوف عنه هو الأهم».
●عمليات الفساد ونهب ثروات البلاد كانت سمة الثلاثين سنة الماضية.. ما الذى يجب إذن عمله خلال الفترة المقبلة لتجنب تكرار هذه الظاهرة؟
ــ يجب إعادة تنظيم الدولة على أساس الديمقراطية، والشفافية، فيجب أن تتمتع الهيئات المنوطة بمحاربة الفساد بقدرة حقيقية على الرقابة. فكيف تكون لجنة محاربة الفساد، كما حدث فى العهد السابق، مشكلة من مجموعة من الوزراء، المسئولين فى الدولة، لمتابعة فساد الدولة ؟ المشكلة فى مصر لم تكن القدرة على كشف الفساد، فالهيئات الرقابية كانت لديها ملفات هائلة عن الفساد، ولكن رؤساءها، «مثل جودت الملط»، كانوا متعاونين مع النظام، ولذلك كتموا هذه الشهادات.
يجب أن تنتهى هيمنة الرؤساء على مؤسساتهم، وهيمنة البرلمان على المؤسسات الرقابية، لتكون هناك جلسات استماع مثلا للعاملين فى الجهاز المركزى للمحاسبات وليس فقط لرئيسه، حتى لا نعطى «القط مفتاح الكرار». مقاييس الشفافية والحق فى الحصول على المعلومات كانت منعدمة، وهذا ما يجب إيجاده فى الفترة المقبلة.
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق